كان في المدينة عنصران من عناصر الضعف، وكان لهما من الخطورة ما كان من شأنه القضاء على هذه الدولة الناشئة، لولا اليقظة الشديدة والسياسة المرنة التي عالج بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر هذين العنصرين.
فأما العنصر الأول من عناصر الضعف فهو وجود اليهود في المدينة. وقد كانوا عنصرًا كبيرًا وقوة خطيرة لا يستهان بها، وقد أجبرتهم الظروف على تقبل الوضع الجديد الذي نشأ بالهجرة، فحاولوا في أول الأمر التقرب إلى هذا الوافد الجديد لعلهم يستطيعون استمالته إلى جانبهم؛ فربما استطاعوا بمعاونته أن يحولوا الموقف الداخلي في يثرب لصالحهم، وقابل الرسول -صلى الله عليه وسلم- تقربهم هذا بتقرب مماثل، فاعترف بهم عنصرًا في الدولة الجديدة، وأقرهم على وضعهم وديانتهم، ووضع بنودًا في دستور المدينة -الصحيفة- حددت وضعهم كعنصر عامل مشارك في الحقوق والواجبات، وعقد مع قبائلهم الكبرى عقودًا ألحقتها بالدولة؛ لكن موقف اليهود في أنفسهم كان تربصًا وانتظارًا لما يتبلور عنه الوضع الجديد. فما لبثوا أن رأوا الأمور تسير إلى وجهة غير التي قدروها، رأوا النبي يدعو إلى التوحيد ولكن ليس هو التوحيد الذي يؤمن به اليهود، فلقد اتخذ اليهود من رسالة التوحيد التي جاء بها موسى دينًا، ولكنهم ربطوها بجنسهم، فالله الواحد هو إله إسرائيل الذي اختارهم لنفسه من دون الناس واختاروه