للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أ- النصارى:

وأكثر هؤلاء الأجانب كانوا من النصارى كما يستلهم من الآيات القرآنية، فإن إيراد قصة ولادة يحيى وعيسى وإنكار ألوهية عيسى مما يوحي بأن أكثر المخاطبين من أهل الكتاب كانوا نصارى١، ثم إن خبر انكسار الروم والبشرى بفوزهم مما يدل على أن الكتابيين في مكة كانوا نصارى، فضلًا عن أنه يدل على الصلات القوية بين المكيين والأحداث العالمية الجارية في ذلك الوقت٢، ولقد كانت صلات مكة قوية بالشمال حيث كانت النصرانية هي ديانة أهل الشام، كما كانت منتشرة بين القبائل التي تعيش على تخوم الشام وعلى الطرف الشمالي للعراق٣، كما كانت منتشرة في الحبشة واليمن، وبخاصة في نجران التي قدم منها وفد لمباحثة النبي -صلى الله عليه وسلم٤، ومن هذه الجهات قدم عدد كبير إلى مكة إما بتشجيع بعض القرشيين ليكون عندهم من يقوم بما هم في حاجة إليه من الصناعات، أو بسبب اضطهاد وقع عليهم، فلقوا من زعماء مكة ترحيبًا وتشجيعًا؛ فقد كانت بلاد الشام مسرحًا لكثير من الثورات والاشتباكات والاضطهادات الدينية، ومن المحتمل أن يكون بينهم جماعة من المبشرين، فقد كان المبشرون يطوفون أنحاء الجزيرة العربية للدعوة إلى النصرانية، وقد شجعت حكومة الروم هذا التبشير لمآرب سياسية بعيدة الأهداف، فقد كانت تبغي من وراء ذلك كسب العرب إلى صفها ومحاربة أعدائها الفرس بسلاح الدين. وتشير كتب السيرة إلى أن


١ انظر سورة مريم ٢-٤٠.
٢ انظر سورة الروم ٣-٦.
٣ الواحدي، أسباب النزول ص ٢١٢.
٤ ابن هشام ١/ ٤١٨- ٤١٩.

<<  <   >  >>