للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثاني: الصراع بين المسلمين واليهود

لا شك أن اليهود في المدينة كانوا على علم بما تم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين الأوس والخزرج من اتفاق في بيعة العقبة الكبرى، ولم يكن في مقدورهم أن يمنعوا هذا الاتفاق أو يقفوا ضده، فإن القوة في المدينة كانت في يد العرب، وكانوا يستطيعون أن يدخلوا في المدينة من شاءوا دون أن يخشوا اعتراض اليهود عليهم، وكانت حالة يثرب الداخلية تتطلب عنصرًا خارجيًّا يستطيع أن يوحد بين عناصرها المختلفة، ويقيم بينها نوعًا من التوازن يعيد إليها السلام الذي حرمته زمنًا طويلًا بتنازع طوائفها المختلفة وكان اليهود يرصدون الأحوال ويراقبون تطور الحوادث، ولم يدُرْ في خلدهم في أول الأمر أنه سيحدث ما يوجه الأمور ضد مصالحهم، بل لعلهم كانوا يعتقدون أن قدوم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب في مصلحتهم؛ فقد ظنوا أن في مقدورهم استمالته إليهم وإدخاله في حلفهم، فإنه يدعو إلى ديانة تتفق في جوهرها مع عقائدهم، ولو أفلحوا في ضمه إليهم لربما استطاعوا أن يعيدوا إلى أنفسهم مركز التفوق في يثرب، وربما استطاعوا به بعد توحيد بطون المدينة وجعلها كتلة واحدة أن يجعلوا منها مدينة قوية، تستطيع أن تسيطر على الحركة الاقتصادية وتنافس مكة وتتغلب عليها، وربما تمكنوا من تأليب جزيرة العرب حتى تقف في وجه النصرانية التي تغلبت على اليهود وأجلتهم عن فلسطين.

لعل هذه الآمال كلها كانت تجول في نفوس اليهود في يثرب حين قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها؛ ولذلك أحسنوا استقباله وبادر هو إلى رد تحيتهم بمثلها وإلى توثيق صلاته بهم، فتحدث إلى رؤسائهم وتقرب إلى كبرائهم، وربط بينه وبينهم برابطة المودة باعتبارهم أهل كتاب موحدين، وبلغ من ذلك أن كان يصوم يوم صومهم١، وكانت قبلته في الصلاة ما تزال إلى بيت المقدس قبلة أنظارهم ومثابة بني إسرائيل جميعًا٢، وقامت علاقة طيبة بين أصحابه من المهاجرين وبين اليهود حتى ليغشون مجالسهم ويذهبون إلى بيوت مدارسهم يتحدثون إليهم، ويسألونهم ويسمعون منهم، ويرون التوارة تصدق القرآن والقرآن يصدق الترواة٣. وما كانت الأيام لتزيد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين باليهود أو لتزيد اليهود بهم إلا مودة وقربى، حتى وصل الأمر بينهم إلى عقد معاهدة صداقة


١ الموطأ ١٤٧، ١٤٨.
٢ ابن هشام ٢- ٣٧ "هامش الروض".
٣ تفسير الطبري ٢/ ٣٨١، ٣٨٢.

<<  <   >  >>