اختمرت فكرة تأليب العرب على المسلمين في يثرب، في نفوس اليهود من بني النضير الذين لجأوا إلى خيبر بعد إجلائهم عن المدينة. وأرادوا لها أن تكون محاولة نهائية ومعركة حاسمة يخوضونها ضد محمد. وفي سبيل ذلك لم يدخروا جهدًا من حيلة أو مكر أو مال، وحتى تعاليم التوراة داسوها في سبيل هذا الغرض.
وتنفيذًا لهذه الفكرة خرج نفر منهم، من بينهم حيي بن أخطب النضري وسلام بن أبي الحقيق وأخوه كنانة. ومعهم جماعة من يهود خيبر، حتى قدموا على قريش بمكة يحرضونها على قتال محمد، لكن قريشًا كانت قد بدأت تمل الحرب وبدأت جبهتها الداخلية تتضعضع وأخذ الحصار الاقتصادي يؤثر فيها تأثيرًا كبيرًا، جعلها تفكر في إعادة النظر في موقفها تجاه الدولة اليثربية التي أخذت عليها طريق تجارتها، وأثبتت حتى الآن أنها قادرة على الثبات والنمو؛ لذلك بدت مترددة غير واثقة من سلامة موقفها، ومن إحراز النصر على محمد، وظهر ذلك جليًّا من أسئلتها التي وجهتها لليهود، فقد سألتهم: أدينها خير أم دين محمد؟ وقد أجابها اليهود على ذلك بأن دينها خير من دينه وأنها أولى بالحق منه١. وبهذه الإجابة تنكر اليهود لمبادئ التوراة وكفروا بالوحدانية جريًا وراء حقدهم ومصالحهم، وقد نعى القرآن عليهم هذا الموقف ودمغهم بالكفر وأوجب عليهم اللعنة:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}[النساء] .
وفي موقف اليهود هذا وتفضيلهم الوثنية على التوحيد، يقول ولفنسون المؤرخ اليهودي: "وكان واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا في مثل هذا الخطأ الفاحش وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإسلامي ولو أدى بهم