للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[موقعة بدر سنة ٢ هـ]

صممت قريش على تحديها للدولة اليثربية بتمرير تجارتها في أراضيها منتهكة بذلك حق السيادة اليثربية. فكان لزامًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقف موقفًا حازمًا يحفظ على دولته حدودها ويصون كرامتها. وإلا تعرضت للمهانة في الخارج والداخل. فقد كان في خارجها وعلى حدودها قبائل لم توادع النبي -صلى لله عليه وسلم- وهي على علاقات طيبة مع قريش ترتبط بها وترى من مصلحتها تفوقها. إذ إنها تستفيد من رحلاتها التجارية. كما كان الوضع الداخلي في يثرب مضطربًا بوجود اليهود الذين رأوا أمر محمد يستقر ولواء الإسلام يرتفع فبدأوا يقلبون له ظهر المجن ويعملون على الوقيعة به. وطبيعي أنه لو ترك حبل اليهود على غاربهم في المدينة أن يستفحل أمرهم ويثيروا الفتن التي يسعون لإثارتها. وليس يكفي في عرف الدقة السياسية التحذير منهم والتنبيه لكيدهم؛ بل لا بد من إشعارهم أن للمسلمين من القوة ما يمكنهم من إخماد أية فتنة واجتثاث أصولها.

خرج أبو سفيان في أوائل الخريف من السنة الثانية للهجرة في تجارة كبيرة لقريش يقصد الشام، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى موضع يسمى: العشيرة، لمصادرتها؛ لكن أبا سفيان فاته، فعزم على انتظارها في عودتها١ ولما تحين فرصة انصرافها من الشام بعث عيونه يقتصون خبرها ثم ندب المسلمين للخروج، وخرج على رأسهم من المدينة لثمان خلون من شهر رمضان سنة ٢هـ، فبراير سنة ٦٣٤م ٢. وكانت عدة من خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الغزوة سبعة عشر وثلاثمائة رجل، منهم ستة وثمانون من المهاجرين وواحد وستون من الأوس والباقون من الخزرج٣ وانطلقوا مسرعين خوف أن يفلت منهم أبو سفيان، وهم يحاولون حيثما مروا أن يقفوا على أخباره.


١ العشيرة: موضع من ناحية ينبع بين مكة والمدينة. ياقوت ١٣/ ١٢٧، ابن هشام ٣/ ٢٣٤- ٢٣٦.
٢ التوفيقات الإلهامية من ١ "في ٢٠ فبراير سنة ٦٢٤ حدثت موقعة بدر".
٣ ابن هشام ٢/ ٣٣٢، ٣٣٨، ٣٥٤، ابن حزم: جوامع السيرة ١١٤، ١١٥.

<<  <   >  >>