للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما أبو سفيان، فكان قد اتصل به خروج النبي لاعتراض قافلته حين رحلتها إلى الشام، فخاف أن يعترضه المسلمون حين أوبته، فجعل من ناحيته يتجسس أخبارهم؛ فلما ترامى إليه خبر خروجهم. استأجر رجلًا من قبيلة غفار بعثه مسرعًا إلى مكة ليستنفر قريشًا لنجدة أموالها. ولم تكن قريش في حاجة إلى من يستنفرها؛ فقد كان لكل منها نصيب من هذه القافلة حتى قُوِّم ما فيها بخمسين ألف دينار. وهو مبلغ عظيم في ذلك الوقت١، ثم إنها كانت معتزمة إيقاف نشاط المسلمين وضربهم.

على أن أمر قريش بمكة لم يكن جميعًا نحو سياسة العدوان التي اتخذتها نحو النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين؛ فقد كانت هناك طائفة تشعر بما ظلمت قريش المسلمين من أهلها حتى اضطرتهم إلى الهجرة، وكانت هذه الطائفة تتردد بين النفير والقعود، كما أن العصبية العشائرية كانت تفعل فعلها، فبنو هاشم في مكة كان هواهم مع محمد، وبنو عبد مناف جميعًا كانت العصبية العشائرية تقوم في نفوسهم، وهم وإن سايروا إجماع القبيلة كانوا يودون لو يترك أمر محمد للظروف العامة فإن انتصر على العرب كان ذلك فخرهم، وهم لذلك كانوا مترددين لم ينشطوا للخروج والاستعداد له نشاط باقي البطون القرشية٢.

وقد بدت روح العصبية العشائرية واضحة فيما كان من خلاف بين موقف عتبة بن ربيعة بن عبد شمس من بطن عبد مناف وأبي جهل بن هشام من بني مخزوم؛ إذ كان الأول يريد تجنب القتال، وكان الثاني يتهمه بممالأة ابن عمه محمد، وينفس على بني عبد مناف أن تكون فيهم نبوة ورياسة٣.

وهكذا لم تكن قريش تؤمن بسلامة موقفها إيمانًا يذكي روحها المعنوية ويشعرها بسلامة القضية التي تقاتل من أجلها؛ ومن أجل ذلك رجع بعض بطونها فلم يشهد القتال، وكان بين زعمائها من الخلاف والتحاسد ما جعل وحدتها مفككة أمام عدوها، ولكنها مع ذلك كانت معتدة بقوتها مزهوة بعدتها.

أما المسلمون فقد انطلقوا حتى إذا كانوا قرب بدر جاءهم الخبر بأن قريشًا قد خرجوا من مكة ليمنعوا عيرهم؛ إذ ذاك تغير وجه المسألة فلم يبق هؤلاء المسلمون أمام أبي سفيان وغيره والثلاثين أو الأربعين رجلًا معه لا يملكون مقاومة محمد وأصحابه،


١ الواقدي ١٧، ١٨.
٢ انظر الواقدي ٢٩- ٣٧.
٣ نفسه ٢٠، ٣٠، ٣٧، ٤٥- ٤٧.

<<  <   >  >>