إن الخصائص العامة للصلة بين البيئات الزراعية وبين جيرانها من البدو الرحل هي العلاقات المزعزعة التي تتسم عادة بالحذر والتربص؛ فالبدو دائمًا يطمعون في خيرات هذه المناطق الخصيبة، وهم ينتهزون كل فرصة تسنح للإغارة عليها لسلب ما تقع عليه أيديهم من حاصلاتها ومواشيها؛ ولذلك كثيرًا ما كان أهل القرى يلقون عنتًا كبيرًا وتصاب زراعاتهم وممتلكاتهم بأضرار فادحة من جراء سطو هؤلاء البدو وغاراتهم الجريئة. وحتى الدول الكبرى ذات القوة كثيرًا ما كانت تتعرض حدودها المجاورة للقبائل البدوية لغارات رجال هذه القبائل المدمرة، فكات لذلك تتخذ من الإجراءات السليمة والحربية ما تكف به عادية هؤلاء الطامعين الجريئين: فهي في بعض الأحيان تصطنع وسائل الاستمالة عن طريق الحلف أو دفع إتاوات لرؤساء القبائل، ولكنها دائمًا تعد من وسائل القوة التي تخيفهم ويكبح جماحهم؛ فإن أي بادرة من الضعف تبدو في نظر هؤلاء البدو كانت تغريهم بالانقلاب على حلفائهم والإغارة عليهم، لذلك كانت تقيم المسالح والحصون وتراقب حركات البدو مراقبة دقيقة، وتعد حملات حربية لتأديبهم عند ظهور أي علامة على تمردهم وعدوانهم.
وقد انطبعت علاقات المدينة مع جيرانها بهذا الطابع، وما الإكثار من إقامة الحصون والآطام في كل أنحاء منطقة يثرب إلا مظهر من مظاهر هذه العلاقات بين هذه المنطقة الزراعية وبين جيرانها من القبائل البدوية الضاربة حولها، وهو إجراء دفاعي ضد ما يقع على الممتلكات والحاصلات من غارات لا بد كانت تحدث على منطقة يثرب. وإذا كانت المصادر لم تحدثنا عن هذه الغارات فإن الروايات التي ذكرها المؤرخون عن الأحداث التي وقعت في عهد الإسلام لتشير إلى هذه الغارات إشارات ظاهرة، فيذكر المؤرخون حين يتحدثون عن المداولات التي جرت بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين في يوم أحد أن عبد الله بن أبي بن سلول الخرزجي قال: كنا نقاتل في الجاهلية فيها -المدينة- ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي، ونجعل معهم الحجارة ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل ناحية، وترمي المرأة والصبي