للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبيت، كانا متجاورين في منازلهما، تقاتلا فأجلى بنو حارثة بني عبد الأشهل حتى ألحقوهم بأرض بني سليم، ثم عاد هؤلاء بحلفائهم من سليم فهزموا بني حارثة وأجلوهم إلى خيبر فأقاموا بها قريبًا من سنة حتى تم الصلح بينهما١. وكما حدث بين بني بياضة وبني زريق وهما بطنان من فرع واحد من الخزرج إذ اقتتلوا وأجلى الأولون الآخرين عن منازلهم ٢.

وهكذا أصبحت مدينة يثرب تغلي بالخلافات وتضارب المصالح والأهواء. لكن يوم بعاث أصاب الفريقين بأضرار كبيرة؛ فقد قتل عدد كبير من سروات القوم جميعًا ورؤسائهم، وأصيبت الممتلكات بأضرار فادحة نتيجة التقطيع والتحريق. الأمر الذي جعل الناس يفكرون في ضرورة وضع حد لهذه المنازعات.. فبدأت الأفكار تتجه إلى إيجاد جو من السلام ينصرف الناس فيه لأعمالهم ويتذوقون لذة الراحة وهناء العيش، وبخاصة البطون الصغيرة التي لم تكن لها مصالح في النزاع وكان همها أن تعيش في سلام؛ لذلك سعى كثير من الزعماء وذوي النفوذ من الطرفين لكف كل من تحدثه نفسه بمحاولة إثارة الفتنة وإيقاد نار العداوة.

وعلى العموم فإن بعاث قد أضعف بطون يثرب كلها وأوجد فيها ميلًا إلى الاتحاد، حتى إنه ليقال إنها أرادت أن تملك عليها ملكًا من الخزرج، كما يحدثنا ابن إسحاق: وقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وسيد أهلها عبد الله بن أبي بن سلول العوفي لا يختلف عليه في شرقه من قومه اثنان، لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم، فجاءهم الله تعالى برسوله -صلى الله عليه وسلم- وهم على ذلك. فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ورأى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد استلبه ملكًا، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارهًا مصرًّا على نفاق وضغن٣.

فكأن قلوب أهل يثرب على اختلاف قبائلها وكثرة نزعاتها سئمت حالة الجفاء والعداوة، وأحست بالحاجة إلى من يخرجهم منها ويوجه نشاطهم إلى ما هو أجدى عليهم وأكثر نفعًا.


١ السمهودي ١/ ١٣٦.
٢ نفسه ١/ ١٤٦.
٣ ابن هشام ١/ ٢١٦.

<<  <   >  >>