كان هدف النبي -صلى الله عليه وسلم- في صراعه مع مكة توحيد العرب في دولة واحدة تحت راية الإسلام، وكان فتح مكة خطوة نحو تحقيق هذا الهدف؛ فبعد أن ألقت مكة لواء المعارضة لم يكن في الجزيرة العربية قوة أخرى تستطيع حمل هذا اللواء، ذلك لأن قريشًا كانت قد وصلت إلى مركز الزعامة الحقيقية في الجزيرة العربية من الناحية الاجتماعية والأدبية والدينية، وكانت في مركز التشريع للعرب. فكان دخولها في الإسلام وانضمامها إلى معسكر النظام الجديد يعني نهاية عهد معين هو عهد الوثنية كما كان ابتداء لاتجاه نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما وراء مكة إلى شبه الجزيرة العربية كلها، ولم يكد هذا الفصل من حياة الدعوة الإسلامية يتم حتى اتصلت القبائل كلها بهذه الحكومة اليثربية الحجازية، فكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تحول من مجال ضيق إلى مجال أوسع، وهذا التحول كان مقرونًا بالصدى الهائل الذي تجاوب في جزيرة العرب بعد فتح مكة هذا الصدى الذي أظهر العرب على أن الحكومة الجديدة صاحبة الدين الجديد قوة يجب الاتصال بها، فتتالت وفود القبائل في العام التاسع للهجرة، إلى أن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر هذا العام الذي سمي بعام الوفود أن يقوم بعمل حاسم فيه استكمال لشيء ضروري للوضع الجديد، ذلك أنه وإن أرسلت القبائل وفودها تعلن إسلامها وخضوعها؛ إلا أنه بقيت أقلية لم تتصل بالمدينة، وبقي من بين رجال القبائل أناس لم يدخلوا في الإسلام وكان الوضع يقتضي أن تحدد هذه القبائل موقفها، فإما أن تدخل في النظام الجديد،