للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهدي والقلائد:

الهدي هو الحيوان الذي يسوقه الحاج معه ليذبحه بعد أداء مناسكه قربان شكر لله، وكان من عادة العرب الحجاج تقليد الهدي بوضع قلادة في عنقه من سيور الجلد أو ألياف الشجر أو فتيل الخيط؛ إعلانًا بأنه هدي فيصبح بذلك محرمًا محترمًا، وكان من عادتهم إشعار البدن أي: جرحها جرحًا خفيفًا من شق سنامها، فيسيل دمها على ظهرها إشارة إلى كونها هديًا، ويسمون البدن المجروحة شعيرة١، ويشير القرآن الكريم إلى الهدي المقلد أو المجروح على أنه من شعائر الله، ومن واجبات الحاج، وأنه واجب الاحترام لا يحل الاعتداء عليه، ويذكر ما للهدي من أهمية عظيمة لما فيه من إقامة أود الناس ولا سيما الفقراء والمساكين والبائسين٣، ومضامين الآيات وأساليبها تلهم بقوة وصراحة أنها كانت من تقاليد العرب قبل البعثة. وقد أقرها الإسلام لما فيها من فوائد عظيمة في ظروف الحج وفي بيئته قبل البعثة وبعدها. وكان العرب يحيطون هذا التقليد بالعناية والحرمة بل بالتقديس والرهبة، حتى ليترك الحاج هديه سائمًا فلا يتعرض له أحد بسوء؛ لأن التعرض له إنما هو تعرض لمال الله. وكان من عادتهم أن يلطخوا جدران الكعبة بدماء الهدي تقربًا إلى الله رب البيت، وقد أبطل الإسلام هذه العادة، ونبه إلى أن الله لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها ولكن الذي يريده من الناس هو التقوى٤ والإخلاص. وكانوا يأثمون من أكل لحوم هديهم ويتركونها للفقراء والمساكين والسباع والجوارح، فأباح القرآن لأصحاب الهدي -إن شاءوا- أن يأكلوا منه وأن يطعموا البائس والفقير والقانع والمعتر، أي المحتاجين سألوا أم لم


١ أسد الغابة ٣/ ٢٢٨. الموطأ ١/ ١٥٩.
٢ انظر كلًّا من سورة البقرة ١٩٦, المائدة ٢، ٩٧, الحج ٢٨، ٣٦, الفتح ٢٥.
٣ انظر سورة الحج ٣٧.

<<  <   >  >>