للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصبحت تجارة قريش إلى الشام معرضة للتوقف التام، فإذا حدث هذا فإن هذه القبائل تتعرض لخسارة اقتصادية شديدة، فأما القبائل التي تعيش قريبًا من الساحل فقد حالفت النبي -صلى الله عليه وسلم- فزاد بذلك تهديده للطريق التجاري، وأما القبائل الأخرى فقد ملأ الرعب قلوبها بعد بدر، وإن كانت قد حاولت التجمع للنيل من المدينة محاولات لم تصمد فيها، فإنها كانت ما تكاد تسمع بخروجه إليها حتى تنخلع قلوبها وتتفرق في رءوس الجبال، ومسالك الصحراء.

وكان على قريش أن تحاول إيجاد وسيلة للتخلص من هذا الحصار وإلا تعرضت لشر ما تتعرض له مدينة مثل مكة تعيش على التجارة. وقف صفوان بن أمية يومًا في قريش يقول: "إن محمدًا وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه وهم لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا نأكل رءوس أموالنا، ونحن في دارنا هذه ما لنا بها بقاء وإنما نزلناها على التجارة إلى الشام في الصيف وفي الشتاء إلى أرض الحبشة١ فقرروا أن يسلكوا طريق العراق، وبعثوا قافلة تبلغ قيمتها مائة ألف درهم٢، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كاد يعلم بأمرها حتى أرسل إليها سرية اعترضتها عند ماء من مياه نجد يسمى: القردة، ففر الرجال واستولى المسلمون على الأموال، وأسروا دليل القافلة الذي أسلم حين وصل إلى المدينة وأقام بها٣.

زاد هذا الحادث قريشًا حنقًا على محمد وطلبًا للثأر منه؛ فإنها إن لم تثأر لكرامتها من هزيمة بدر، وإن لم تفتح لنفسها طريق التجارة إلى الشام هوت مكانة مكة الاقتصادية ومكانتها الأدبية إلى حيث لا تقوم لها بعد ذلك قائمة؛ لذلك أخذت تعد نفسها وتتصل بالقبائل لتشاركها في الهجوم على المدينة، كما استنفرت معها من اتبعها من الأحابيش، وأصرت النسوة من قريش على أن يسرن مع الغزاة يحمسنهم ويحفزنهم ويذكرنهم قتلى بدر، وخرجت قريش معها عدد من نسائها وعلى رأسهن هند زوج أبي سفيان قائد الحملة، وهي أشدهن على الثأر حرقة أن قتل أبوها وأخوها وعمها يوم بدر، وكانت عدة الجيش ثلاثة آلاف مقاتل مزودين بأفضل ما قدروا عليه من عدة وسلاح، يمتطون ثلاثة آلاف بعير وقادوا مائتي فرس، ومن بين رجالهم سبعمائة دارع،


١ الواقدي ١٥٥.
٢ نفسه ١٥٦.
٣ ابن هشام ٢/ ٤٣٠.

<<  <   >  >>