للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقصدوا المدينة في ثلاثة ألوية عقدت في دار الندوة١. فلما أجمعوا المسير كتب العباس بن عبد المطلب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصف له جمعهم وخروجهم إليه، كذلك خرج وفد من خزاعة -وقد كانت خزاعة تميل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتخلص له- فأخبروا النبي -صلى الله عليه وسلم- الخبر٢ واقتربت قريش من المدينة وأطلقت خيولها وإبلها ترعى زروع يثرب المحيطة بها، ثم قدمت فنزلت بجوار أحد.

وعقد النبي -صلى الله عليه وسلم- مجلسًا عامًّا دعا إليه أهل الرأي من المسلمين ومن المتظاهرين بالإسلام، وجعلوا يتشاورون كيف يلقون عدوهم، وكان رأي كبار الرجال من أهل التجربة أن يتحصنوا بالمدينة ويقاتلوا فيها. لكن الشباب من المسلمين أخذتهم الحماسة ورأوا في بقائهم بالمدينة أمرًا قد تعده قريش وتفهمه قبائل العرب نوعًا من الجبن عن لقاء العدو فيكون ذلك مجرئًا عليهم غيرهم، وأرادوا أن يحققوا نصرًا مثل الذي حققه المسلمون يوم بدر، وناصرهم على هذا الرأي رجال سمت روحهم الدينية فطلبوا الشهادة أو يجاهدوا في الله فيدحروا من كفر به. واشتد الجدال وظهرت الكثرة الواضحة في جانب الذين يقولون بالخروج إلى العدو وملاقاته، وقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إني أخاف عليكم الهزيمة" ومع ذلك أبوا إلا الخروج؛ فلم يكن له إلا أن ينزل على رأيهم، وكانت الشورى أساس نظامه في هذه الحياة إلا أن يكون وحيًا يوحى من عند الله.

وحين دخل بيته يلبس سلاحه ويتخذ عدة الحرب، اشتد الجدل بين القائلين بالتحصن بالمدينة وبين القائلين بالخروج وقال لهم أولئك: "لقد رأيتم رسول الله يرى التحصن بالمدينة فقلتم ما قلتم، واستكرهتموه على الخروج وهو له كاره، والأمر ينزل عليه من السماء فردوا الأمر إليه، فما أمركم فافعلوه، وما رأيتم له فيه هوًى أو رأيًا فأطيعوه٣".

وتراجع الداعون للخروج عن إصرارهم، وحين خرج النبي في عدة حربه ألقوا الأمر إليه ليبقى إذا أراد البقاء، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "وقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، وما ينبغي لنبي إذا لبس لامته -عدة حربه- أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، انظروا ما آمركم به فاتبعوه، امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم" ٤. وهكذا وضع محمد إلى جانب الشورى مبدأ النظام، فإذا تم للكثرة رأي بعد البحث والتفكير، لم يكن لها أن تنقضه لهوى أو لغاية، بل يجب أن ينفذ الأمر،


١ الواقدي ١٥٨، ١٥٩.
٢ الواقدي ١٦٠.
٣ الواقدي ١٦٧، ابن هشام ٣/ ٧.
٤ الواقدي ١٦٧، ١٦٨.

<<  <   >  >>