للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن يوكل التنفيذ إلى من يحسنه، ويوجهه إلى حيث يتحقق له النجاح، وعلى الجماعة أن تلتزم الطاعة والنظام.

وتقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين متجهًا إلى أحد حيث عسكرت قريش، ورفض أن تنضم إليه كتيبة من اليهود كانوا حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول، حذر أن توقع الاضطرابات في نفوس الجيش، كما رفض أن يدعو الأنصار حلفاءهم من يهود١، وموقف اليهود مشكوك فيه بعد الذي ظهر من خيانتهم وبعد ما امتلأت به النفوس من حقد، وفي الطريق انخذل عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس، وعاد إلى المدينة محتجًّا بأنه خالف رأيه واتبع رأي الغلمان ممن لم يحسنوا استخدام الرأي٢، وكذلك همت طائفتان أخريان من الأنصار أن تتراجعا متأثرتين بتراجع عبد الله بن أبي لولا أن ذكرتا إيمانهما فصبرتا٣، وبقي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سبعمائة من المسلمين ليقاتلوا ثلاثة آلاف من أهل مكة كلهم موتور وكلهم على ثأره حريص.

وفي ساحة أحد اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجاله. موقعًا استراتيجيًّا قويًّا، فاحتمى بظهره إلى أحد، وجعل العدو في مواجهته، ووضع خمسين من الرماة على مرتفع يقال له: جبل عينين، ليسدوا الطريق على خيالة قريش فلا تستطيع الالتفاف بجيش المسلمين وشدد عليهم الأمر ألا يفارقوا مكانهم إن كانت للمسلمين أو عليهم، وإنما همهم أن ينضحوا الخيل بالنبل حتى لا تأتي الجيش من خلفه٤.

وفي تشديد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الرماة، وفي تراجع بعض الناس عنه، وفي المناقشات التي دارت قبل الخروج، ما يبرز أن الجبهة يوم أحد لم تكن متماسكة، فقد رأينا كيف أن المسلمين لم يكونوا موحدي الكلمة في الاستعداد لمقابلة العدو والتهيؤ لخوض غمار المعركة، لقد كانت كلمتهم موحدة في بدر، وكان أمرهم جميعًا، وكانوا مثال الطاعة والنظام، والحرص على تنفيذ أمر القيادة، كما كانوا يقدرون قوة العدو ويدركون تفوقه عليهم، ويعدون أنفسهم للصبر والشدة، وتمتلئ نفوسهم مع ذلك باليقين بالنصر، والثقة بموعود الله أن تكون إحدى الطائفتين واستعدادهم ليخوضوا وراء نبيهم إن هو استعرض بهم البحر.


١ الواقدي ١٦٨، ابن هشام ٣/ ٨.
٢ الواقدي: نفسه.
٣ انظر سورة آل عمران ١٢٣.
٤ ابن هشام ٣/ ١٠.

<<  <   >  >>