للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَعَلَ، فإنه لم يقم بالمدينة بعد عودته من الحديبية إلا قليلا حتى أمر الناس بالتجهز لغزو خيبر على ألا يغزو معه إلا من شهد الحديبية إلا أن يكون غازيًا متطوعًا ليس له من الغنيمة شيء١.

وقد حرص محمد على ذلك حتى لا يكون معه أحد غير مطمئن إلى قوة نفسه وسمو روحه، وبعد تفكيره عن الكسب المادي؛ فليس الغنيمة قصده، وأن ما ينتظر من قتال أمام حصون خيبر لا تثبت له إلا النفوس المطمئنة المؤمنة، التي تسامت عن المادة والرغبة فيها، فإن النفوس المتعلقة بالمادة لا تثبت أمام الامتحان العسير. ولقد كانت تجربة الأحزاب كافية ليدرك الناس أن النفوس لا تباع رخيصة أمام متاع الحياة، فإن غطفان وغيرها من الأعراب يوم الأحزاب لم يثبتوا على حصار يثرب، فقد كانوا يريدون غنيمة سهلة، فلما لم يستطيعوا تحقيقها، أو لما بدا لهم أن تحقيقها أمر يحتاج إلى الصبر وبذل النفس، تضعضعت قلوبهم، وتفرقت كلمتهم، ورضوا أن يعودوا من الغنيمة بالإياب، ومحمد لا يريد أن يضم إلى صفوفه مثل هؤلاء الناس من طلاب الغنيمة، وهو يتوقع الحصار الطويل، والقتال أمام خيبر أشد القتال.

انطلق المسلمون في ألف وأربعمائة ومعهم مائتا فرس٢ مسرعين نحو خيبر، فقطعوا الطريق بينها وبين المدينة في ثلاثة أيام، لم تكد خيبر تحس بهم أثناءها حتى باتوا أمام حصونها.

على أن يهود خيبر كانوا يتوقعون من جانبهم أن يغزوهم محمد، ولذلك كانوا دائمي النشاط والتدبير، ولقد عرض بعضهم أن يسارعوا إلى تكوين كتلة يهودية منهم ومن يهود وادي القرى وتيماء، ويهاجموا المدينة مستميتين دون اعتماد على البطون العربية التي فشلت من قبل في اقتحامها، وعرض آخرون أن يدخلوا في حلف مع محمد لعل ذلك يمحو ما ثبت من كراهيتهم في نفوس المسلمين والأنصار منهم بنوع خاص بعد ما قام به حيي واليهود من تأليب العرب للقضاء على المدينة؛ لكن النفوس من الجانبين كانت ملأى، حتى لقد سبق المسلمون قبل الخروج لخيبر بقتل سلام بن أبي الحقيق واليسير بن رزام من زعماء خيبر تمهيدًا للغزو، وحرمانًا لليهود من زعيمين كبيرين لهما رأي وتدبير، ولذلك كان اليهود على اتصال دائم بغطفان، وكان هؤلاء حلفاء دائمين لهم كحلف قريش مع الأحابيش، ولذلك استعانوا بهم أول ما ترامى إليهم اعتزام محمد غزوهم، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان سريعًا إلى الحيلولة دون اتصال


١ الواقدي ٣١٢. ابن سعد ٣/ ١٥٢.
٢ إمتاع ١/ ٣٢٧.

<<  <   >  >>