غطفان باليهود، فقد سارعت جيوش المسلمين، فحالت بين غطفان وبين خيبر، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعد الغطفانيين بشيء من الغنائم إن تم له النصر على اليهود. على أن غطفان كانت قد بدأت تعيد النظر في موقفها من عداء محمد بعد الأحزاب، وبعد أن تأكد لديها أن الموقف قد تحول إلى جانبه وبخاصة بعد الحديبية حيث سالمته قريش، فلم يكن زعماء غطفان جادين في معاونة خيبر، ولم يعودوا حريصين على الارتباط بها، كذلك كانت القبائل العربية كلها في منطقة الحجاز ونجد قد بدأت تنظر إلى الموقف نظرة جديدة، وكان موقفها في غزوة خيبر موقف تربص وانتظار لما تسفر عنه نتيجة المعركة، فلقد انتصر محمد على قريش وثَبَتَ لها ولكل حلفائها، وأجبرها آخر الأمر على قبول الأمر الواقع وتوقيع صلح الحديبية. ومهما بدت قريش في ثوب من العزة بأن حالت بين محمد وبين دخول مكة؛ فإنها قد انكشفت حين اشترطت على نفسها أن تخلي له مكة من العام القادم ثلاثة أيام يطوف بالبيت فيها، ولم يبق من عدو شديد البأس غير خيبر ذات الحصون المنيعة.
كانت جموع اليهود في خيبر من أقوى الطوائف الإسرائيلية بأسًا وأوفرها مالًا، وأكثرها سلاحًا، وأعظمها دربة على القتال، لذلك وقفت شبه الجزيرة العربية كلها متطلعة إلى هذه الغزوة، حتى لقد كان من قريش من يتراهنون على نتائجها، ولمن يتم الغلب فيها، وكان كثيرون يتوقون أن تدور الدائرة على المسلمين، لما عرف من قوة حصون خيبر وقيامها على الصخور والجبال، ولطول ممارسة أهلها للحرب والقتال، وكان المسلمون يدركون هذا الموقف تمام الإدراك، ويقدرون نتائجه حق التقدير، لذلك ذهبوا مستقتلين لا يعرف التردد سبيلًا إلى نفوسهم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدرك أنه لو فشل أمام خيبر فسيتغير ميزان القوى من جديد وربما حدثت نكسة أعادت لأعدائه قوتهم وحماستهم لقتاله والهجوم عليه، ثم إنه كان يدرك أنه ما بقيت لليهود شوكة في شبه جزيرة العرب فستظل المنافسة بين دين موسى والدين الجديد حائلًا دون تمام الغلب له، وحائلًا دون تمام الوحدة التي يعمل لها ويسعى لإقرارها، ومن أجل ذلك حرص على ألا يدخل في صفوفه رجل يخشى أن ينخذل أو يُشِيع الضعف في نفوس المسلمين، ومع أنه كان يستطيع أن يزيد عدد جيشه لو أباح لراغبي الغنيمة من الأعراب أن ينضموا إلى صفوفه، فقد كان فتح خيبر يبشر بمغنم كبير، لكنه ما كان يهتم بكثرة العدد الذي لا غناء فيه، وإنما كان يريد جيشًا مؤمنًا بأهدافه مقدرًا للظروف، وموطنًا النفس على الصبر والشدة، يريد سيوفًا تحركها قوة النفس وتمنعها عزة الإيمان أن تغمد أو تنتصر، ولا يريد سيوفًا يسلها جشع النفس، ثم يغمدها الحرص على الحياة.