للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنه كانت هناك أجزاء أخرى تجود فيها التربة وتنزل الأمطار التي قد يبلغ من غزارتها أن تتوالى الصواعق وتتهدم البيوت١ وتخرب الطرق. وتنبت من كل زوج وصنف من الزروع والأشجار، وقد تحدث القرآن الكريم في آيات عديدة منوهًا بما ينزل الله من الأمطار ويفجر من العيون، وما ينبت من الزروع والأشجار من أعناب ونخيل ورومان وزيتون وحبوب وكلأ {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} ٢ [الأنعام] وهذه الآيات يوجهها القرآن ويخاطب بها أهل الحجاز بل وأهل مكة في الدرجة الأولى، وهي تشير إلى ما كان في الحجاز نفسه، وفي الأنحاء المجاورة لمكة بنوع خاص، من مناطق تجود فيها التربة وتغزر الأمطار وينبت الزرع والأشجار، والآيات وإن لم تعين هذه المناطق كما عينت منطقة مكة بالبيت الحرام، فإنها معينة واقعيًا وهي الطائف وأرباضها، والوديان التي بين مكة وجدة، ويثرب٣ وأرباضها، فهذه المناطق لا تزال تحتفظ إلى الآن بكثير من الينابيع٤ والوديان وتتمتع بخضرة السهول وجنات النخيل والأعناب ومختلف الفواكه والزروع.

إلا أن الجفاف الذي لحق بلاد العرب جميعًا -والحجاز منها- قد جعل أغلب أراضيها صحراء جرداء، وباعد بين مراكز الاستقرار بها. وقد أثر ذلك تأثيرًا كبيرًا على الحياة الاجتماعية، والسياسية في شبه الجزيرة العربية، وعاق نشر المجتمعات الكبرى بها، ومن ثم اعتمدت في حياتها السياسية والاجتماعية على النظام القبلي، سواء في البادية، أو في البلاد التي قامت بها ممالك وحكومات منظمة، أو في المدن السياسية City states التي نشأت على طرق التجارة مثل مكة والمدينة، وأصبحت القبيلة هي وحدة المجتمع العربي بوجه عام.


١ البخاري ٤/ ١٩٥ الأغاني ٢/ ٣٢٣، ٣٢٧. هيكل: في منزل الوحي: ٤١٣.
٢ وانظر أيضًا: الأنعام: ١٤١، والنحل ١٠، ١١ والمؤمنون ١٨، ١٩، والروم ٤٨- ٥١، ويس ٣٣- ٣٤، وق ٧- ١١، والواقعة ٦٣- ٧٠، وعبس ٢٤- ٣٢. وكل هذه الآيات مكية.
٣ عن الطائف انظر البلدان ١٣/ ٠٩ عن يثرب ١٧/ ٧٢ وما بعدها.
٤ البلاذري ١/ ١٦، ١٧ انظر عن خصب مكة: أسد الغابة١/ ١٠١.

<<  <   >  >>