للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التجارة، ومع أن حملة أليوس جالوس سنة ٢٤ ق م اخترقت شبه الجزيرة ووصلت إلى منطقة مأرب١ فإنه لم يذكر أنها توقفت عند مكة أو عند يثرب أو الطائف، كذلك لم نسمع عن جيوش رومية أو فارسية قصدت هذه المنطقة؛ لبعد الشقة وصعوبة وصول الجيوش إليها، فظلت بعيدة عن متناول يد الدول الكبرى. وحتى في القرن السادس الميلادي لم تفكر بيزنطة في إرسال جيوشها عبر جزيرة العرب، حين طلب إلى القيصر أحد الفارين المسيحيين من نجران النجدة ضد الملك اليهودي الذي نكل بالمسيحيين فيها، فقد اعتذر له القيصر بأن بلاده بعيدة٢، وظهر أن الروم لم ينسوا الدرس الذي تلقته حملة أليوس جالوس من قبل. كذلك تردد كسرى في إجابة ملتمس سيف بن ذي يزن حين طلب إليه تسيير جيوشه لتخليص اليمن من حكم الأحباش، برغم أن سيف عرض حكم بلاده على كسرى٣. وقد تحالفت بيزنطة مع الحبشة القريبة من بلاد العرب واتخذت منها أداة لبسط نفوذها على بلاد اليمن، كما اتخذت الدولتان من الدين وسيلة لإضعاف هذه البلاد وبسط نفوذهما عليها، فحاولت بيزنطة نشر المسيحية بين أهل اليمن.. وردت فارس على هذا بأن شجعت الديانة اليهودية المعادية للمسيحية. وقد كان من نتيجة ذلك أن قامت الخلافات الداخلية؛ مما أدى إلى إضعاف دولة الحميريين، ثم أدى إلحاح الأحباش عليها بالغزو إلى سقوطها في أيديهم سنة ٥٢٥ م، ثم سقوطها بعد ذلك تحت الحكم الفارسي سنة ٥٧٥م ٤.

وبسقوط اليمن تحت الاحتلال الحبشي ثم الفارسي، وقيام الخلافات الداخلية فيها؛ فقدت قدرتها على النهوض بدورها الذي اضطلعت به قرونًا طويلة في نقل التجارة العالمية. ولما كان النزاع بين الفرس والروم قد أدى إلى قفل طريق التجارة الشرقي المار ببلاد العراق إلى الشام، وكان الطريق البحري عبر البحر الأحمر قد خلا من سفن الروم، ولم تقو البحرية الحبشية على سد الفراغ فيه، وأصبح ميدانًا لسفن القراصنة فوق صعوبة الملاحة نفسها في هذا البحر بسبب الرياح الشمالية التي تعاكس السفن في إبحارها نحو الشمال، ولوجود الشعب المرجانية وخلو شواطئه من المرافئ الصالحة


١ جواد ٢/ ٣٨٤- ٣٨٦.
٢ ابن هشام ١/ ٣٦.
٣ نفسه ١/ ٦٦.
٤ ابن هشام ١/ ٧٣.

<<  <   >  >>