الخارج، وقد كانت مكة قبل القرن السادس تقتصر على التجارة الداخلية حيث كان النشاط التجاري الخارجي في يد اليمن. وكان أهل مكة يتاجرون في حاصلات الجزيرة العربية, أو ما يصل إلى أيديهم من عروض التجارة الخارجية على يد تجار اليمن، ولم تكن مكة تجني من وراء ذلك أرباحًا كبيرة تمكن أهلها من إحراز ثروة كبيرة، إنما كانت تسمح لهم بالإعاشة. ولكن في بداية القرن السادس كانت حالة اليمن قد تدهورت نتيجة للصراع الداخلي بسبب الخلاف الديني نتيجة لانتشار اليهودية والمسيحية فيها والتنافس بين الدينين؛ ونتيجة لوقوعها في منطقة التصارع الدولي بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية, وقد استخدمت الأخيرة الحبشة حليفتها لإقرار النفوذ الرومي على جنوب بلاد العرب عن طريق غزو اليمن، وتكررت غزوات الحبشة على اليمن حتى سقطت في يدها في النصف الأول من القرن السادس, وقد استمر حكم الحبشة لليمن حتى أخرجهم منها الفرس في حوالي سنة ٥٧٥م ولم تتحرر اليمن من الاحتلال الأجنبي إلا بعد ظهور الإسلام وانضمامها إلى الدولة العربية الإسلامية.
وقد أدت كل هذه الظروف إلى أن تفقد اليمن مركزها التجاري. وقد صحب ذلك ظهور نهضة القبائل المضرية في الشمال, والتي ما لبثت أن تحررت من نفوذ الجنوب, بدأت تقوم بدور إيجابي في الجزيرة العربية. ولما كانت مكة في ذلك الوقت قد حظيت بنوع من الاستقرار والتنظيم على يد قبيلة قريش، التي نظمت الحج ونشطت القدوم إلى هذه البقعة المتوسطة، وأقرت حرمتها وحرمة الأشهر الحرم للقدوم إليها والتجمع في أسواقها؛ فقد أخذت قريش تحتل المكانة التجارية التي كانت تحتلها اليمن، وقد ساعدها على أن تنال هذا المركز النزاع الذي احتدم أواره بين الفرس والبيزنطيين في الشمال، وانشغال كل من هاتين الدولتين الكبيرتين بهذا النزاع الدموي، وكذلك ما لحق الممالك العربية على أطراف العراق والشام من تدهور نتيجة لاشتراك المناذرة -ملوك الحيرة- في هذا الصراع إلى جانب الفرس، واشتراك الغساسنة إلى جانب الروم، ثم تغير سياسة الدولتين الكبيرتين تجاه المملكتين العربيتين١ الأمر