للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت التجارة التي تحمل من الجنوب أو من الشمال أو من الشرق تفرغ في مكة، حيث تستهلك البيئة المحلية منها ما تحتاج إليه؛ ثم يحمل الباقي إلى الأماكن المحتاجة إليه، فتحمل حاصلات الجنوب إلى الشمال، كما تحمل حاصلات الشمال إلى الجنوب، فوق ما يحمل معها من حاصلات البادية العربية، مما تجمعه قريش من تجارة أهل البادية والمدن الحجازية، مما يحمل إلى مكة أو إلى الأسواق القريبة منها في عكاظ ومجنة وذي المجاز في موسم الحج. وقد كانت صلات مكة التجارية كبيرة بالطائف التي كانت تنتج مقادير كبيرة من الزبيب والنبيذ الذي كانت تستهلك مكة منه كثيرًا، ومن الجلود المدبوغة، وكان المكيون يشركون أهل الطائف أحيانًا في قوافلهم التجارية١ كما كانت صلات مكة التجارية كبيرة بيثرب، حيث يمتار أهل مكة من تمرها ويشترون كثيرًا مما تنتجه من الحلي والسلاح التي كان اليهود يقومون على صناعتها٢.

وكانت في مكة سوق دائمة للتبادل التجاري وبخاصة مع القبائل القريبة منها، حيث تشتري مكة حيوانات الجزيرة ومنتجاتها من جمال وخيل وحمير وسمن وقرظ وجلود، وتبيعه لمن يحتاج إليه من الأعراب٣، كما تبيعهم ما يحتاجون إليه من المجلوبات الخارجية، وكانت تجارة الملابس والأطعمة والشراب رائجة في مكة، وبخاصة في موسم الحج. وصارت مكة تعج بالتجار من كل ناحية وبخاصة من أهل الشام والروم والفرس، فساكنوا المكيين وتحالفوا مع أثريائهم، وقد اتخذوا فيها مستودعات لخزن بضائعهم وتصريفها، وكان تجار الشام خاصة يجلبون القمح والزيوت والخمر الجيدة إلى تجار مكة٤، وقد ورد في كتب السيرة والرجال أسماء بعض هؤلاء ممن كانوا من بلاد الشام في الأصل، ثم سكنوا مكة ودخلوا في الإسلام من أمثال تميم الداري ٥ وكيسان ٦.


١ ابن كثير ٣/ ٢٢١.
٢ البخاري ٣/ ٦٠.
٣ ابن الأثير ١/ ٣٤٤، ابن كثير ٣/ ٤٥.
٤ أسد الغابة ٤/ ١٥٨.
٥ نفسه ٥/ ١٤٥.
٦ نفسه ٤/ ٢٥٨.

<<  <   >  >>