للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكة ومن قريش ظهر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم نبيًّا يدعو إلى رسالة جديدة، جوهرها الإقرار بالألوهية لإله واحد، هو الله الخالق المبدع الذي تنزه عن المشاركة والمصاحبة وتفرد بالربوبية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص] ونبذ ما عدا ذلك من أصنام وأوثان وكل ما يلقي ظلًّا من المشاركة مع الله. وأن الناس كلهم أبناء أب واحد وأم واحدة، لا فضل بينهم إلا بما يقدم أحدهم من عمل صالح يرضي الله ويعود على الإنسانية بالخير: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات] فالناس جميعًا سواء أمام الله مهما اختلفت أجناسهم أو لغاتهم أو مراكزهم الاجتماعية، ويجب لذلك أن يتساووا في الحقوق والواجبات بصفتهم إخوة في الإنسانية، وبصفتهم جميعًا عبادًا لرب واحد, وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء ليقر العدالة ويقر مكارم الأخلاق.

ومحمد إذ بُعث نبيًّا؛ كانت له صفاته الشخصية التي هيأته للاضطلاع بدور الزعيم النبي -صلى الله عليه وسلم-. وإذا قرأنا كتب السيرة القديمة، وجدنا هذه المصادر تقدم لهذا الدور بنوع من التفسير لعبقرية النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم يوردون أخبارًا تدل على اكتسابه نوعًا من الخبرة الني يكتسبها كل إنسان من تجاربه, ثم يوردون أخبارًا أخرى تدل على أن النبي نال من العناية الإلهية والفضل الرباني والعلم اللدني الذي يلقيه الله في نفس العبد بدون واسطة، وأن هذه النفحات الإلهية أتمت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شخصيته وأكملت تجاربه.

يذكر المؤرخون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شارك في الحياة العامة في مكة منذ طفولته مشاركة كان لها أثر كبير في حياته, فقد شارك في الحياة السياسية في المدينة المكية، فقد اشترك في حلف الفضول، وكان هدف هذا الحلف هدفًا ساميًا لم تألفه القبائل المعتزة بعصبيتها، هذا الهدف هو نصرة المظلوم بصرف النظر عن قرابته وقبيلته١. ومن قبل كان قد اشترك إلى جانب أعمامه من هاشم وقريش في حرب الفجار، وهي حرب وقعت في الأشهر الحرم فسميت بالفجار٢، فاكتسب إلى جانب خبرته السياسية خبرة حربية، ثم إنه اشترك في تنظيم القوافل التي كانت تسيرها قريش إلى الشام، فسافر مع


١ ابن هشام ١/ ١٤٥، ابن سعد ١/ ١١٠.
٢ ابن هشام ١/ ٢٠١.

<<  <   >  >>