للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الخصال فيه١. وكذلك الخطيب، وهو لسان القبيلة في منافراتها ومناظراتها٢. ثم حكامها الذين يفصلون في الأقضية بين الناس ويحكمون بينهم إذا تشاجروا في الفضل والنسب والمواريث والدماء، وكان لكل قبيلة حكم أو أكثر؛ لأنه لم يكن دين يرجع إلى شرائعه، فكانوا يحكمون أهل الشرف والصدق والأمانة والرياسة والسن والتجربة والمعرفة بالعرف، ثم كان من رجال المجلس الشجعان المشهورون بالفروسية. وبعض الأفراد من أصحاب المكانة كالكاهن والعراف والقصاص. هذا بالإضافة إلى شيوخ العشائر وكبار السن في القبيلة ممن اكتملت لهم تجارب الحياة. كل هؤلاء يمثلون مشيخة القبيلة، ومن اجتماعهم تكون السلطة التي يرجع إليها سيد القبيلة.

ولهذه الهيئة أندية٣ ومجامع للمداولة في شئون الحرب والسلم والفصل في الخصومات ودفع الديات وكل ما يهم القبيلة. وفي ذلك يقول مهلهل في رثاء كليب:

نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس

تكلموا في أمر كل عظيمة ... لو كنت حاضر جمعهم لم ينبسوا

ولم يكن لمجلس القبيلة موعد معين يجتمع فيه، وإن كانت العادة أنهم يجتمعون مساء في المنازل التي يحل بها رئيس القبيلة للسمر، وكلما دعت الضرورة إلى الاجتماع. ولم يصلنا شيء يذكر -ويا للأسف- من المناقشات التي كانت تجري في هذه المجالس القبلية؛ لأنه لم يكن هناك مدونات تسجل فيها أحاديث القوم ومناقشاتهم؛ لأن طبيعة هذه المجالس لم تكن تحتمل هذا. وإن كانوا يتناقشون ويتحاورون في كل ما يهمهم، وكثيرًا ما كان يخطب الخطباء، أو ينشد الشعراء قصائدهم التي نظموها، وفي أثناء ذلك يدلي سادتهم بحكمهم وتجاربهم في الحياة، وهذا يجعلنا نتصور مقدار ما كان لهذه المجالس من وقار ومنزلة كبرى يقضي بها العرف. وإلى ذلك يشير زهير بن أبي سلمى إذ يقول في مدح هرم بن سنان٤:


١ الأغاني ٣/ ٢٥.
٢ اليعقوبي ١/ ٢١٤، ٢١٧.
٣ النادي: المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويقضون فيه أمورهم: ابن عبد ربه: العقد الفريد ٥/ ٢١٠، وانظر سورة مريم ٧٣. النمل ٢٩- ٣٢. العنكبوت ٢٩.
٤ ديوان زهير "طبع دار الكتب" ١١٣.

<<  <   >  >>