للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حاجتهم منه. وكانت أخصب الأراضي وأكثرها غلة في أيدي سكان العوالي من منطقة المدينة من اليهود والعرب؛ ولذلك كان الأغنياء منهم وبخاصة اليهود يستغلون حاجة الفقراء أو أصحاب الأراضي القليلة والضعيفة والإنتاج إلى الاستدانة منهم نظير رهن يقدمونه١ أو يضطرون إلى بيع ثمار نخلهم وأعنابهم مزابنة، ومحاصيل شعيرهم وقمحهم محاقلة، فيزيد هؤلاء الأغنياء من ثرواتهم بينما يصاب الفقراء بالخسارة والخراب، وربما يضطر صاحب الأرض القليلة إلى التخلي عنها وفاء لديونه٢، وقد كان هذا الأمر مما يشعر بالهوة بين الأغنياء من أصحاب الأراضي وبين الفقراء، ويؤدي إلى إثارة المطامع والأحقاد، وقيام التنازع بين البطون رغبة في تملك الأراضي الزراعية، وما كان يحدث بسببه من حروب، كان الخصم يتجه فيها إلى تدمير ثروة خصمه بقطع نخله وإتلاف مزروعاته، مما كان يؤدي إلى إضعاف قوة المدينة الاقتصادية نتيجة هذه الخسائر المادية.

وكان اليهود أكثر غنًى من العرب بوجه عام؛ لذلك لم تكن حاصلات العرب تكفي لسد حاجتهم إلا بصعوبة، وكثيرًا ما كانوا يستدينون من اليهود٣، وهذا يفسر لنا مقدار الجهد الذي تحمله عرب المدينة حين نزل عليهم المهاجرون من أهل مكة فأقاموا معهم في ضيافتهم ثم عملوا في أراضيهم مزارعة ٤.

وعلى الرغم من أن عدد المهاجرين لم يكن يتجاوز المائة أسرة؛ فإن هذا العدد القليل أثر على حياة الأنصار الاقتصادية، ولم تتحسن الأحوال إلا بعد إجلاء بعض القبائل اليهودية عن المدينة، وبعد أن استقر أمر المهاجرين وأخذوا يجدون لهم رزقًا في العمل بالتجارة٥.

لكن الزراعة بالمدينة انتعشت بعد استقرار أحوالها بعد الهجرة والقضاء على المنازعات الداخلية فيها، حتى استوعبت المدينة عددًا كبيرًا من المهاجرين إليها


١ البخاري ٣/ ٥٦، ٥٧، ٧٢، ٧٧.
٢ نفسه ٣/ ٧٣- ٧٥ "المزابنة: بيع التمر في رءوس النخل بتمر كيلًا. والمحاقلة بيع الزرع في سنبله: الشعير بشعير كيلًا والقمح بقمح كيلًا. القاموس مادة "ز ب ن". و "ح ق ل".
٣ البخاري ٣/ ٦٧.
٤ نفسه ٣/ ١٠٤، ١٥٥، ١٦٦.
٥ ابن هشام ٣/ ٢٣٣- ٢٣٤، البخاري ٣/ ٧٥.

<<  <   >  >>