للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البيع وهي أن يزيد الشخص في السلعة أكثر من ثمنها، لا يشتريها ولكن ليغر غيره فيقع فيها١. كما كان التجار يتلقون الركبان خارج المدينة فيشترون منهم ما يحملون من طعام قبل أن يصلوا إلى السوق حتى لا يعرفوا ثمنه الحقيقي، ثم يجمعونه ليحتكروا بيعه في السوق، وأحيانًا يبيعونه في مكانه قبل أن يصلوا إلى السوق إذا تحقق لهم الربح الذي يريدونه٢. كما كان الغش والمخادعة أمرًا جاريًا في الأسواق، فكانوا يبلون الحنطة والشعير ليكثركيلها، أو يخفون الرديء داخل الطيب، ويخلطون التمر الرديء بالجيد، ويحفلون -يصرون- الإبل والغنم والبقر فلا يحلبونها أيامًا حتى تبدو أنها كثيرة اللبن ثم يبيعونها ٣. كما كان البيع بالنسيئة -تأجيل الثمن- وبالرهن وسيلة من وسائلهم، وهم بذلك يبغون تنشيط البيع من ناحية وتحقيق ربح أزيد من ناحية أخرى.

وكما كان أهل المدينة يتبايعون في المعروضات، كذلك كان يتبايعون فيما بينهم في الممتلكات والمزروعات، فكانت الدور والأرض تباع في المدينة٤. وكانوا يتصرفون في مزروعاتهم ببيعها قبل أن يبدو محصولها فيبيعون التمر على رءوس النخل قبل أن يزهو -يظهر لونه بحمار أو صفار- ويبيعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها، كما يبيعون الزرع في سنبله، وكان يحدث من جراء ذلك خسارة من كلا الوجهين؛ فقد تصاب الثمار بالدمان -المرض أو القشام: العاهات- فتحدث خسارة للمشتري، أو يستغل المشتري حاجة البائع فينقص في تقدير المحصول فتلحق الخسارة صاحب الزرع٥.

وقد كان الربا مظهرًا من مظاهر الحركة الاقتصادية والتجارية، ووسيلة من وسائل التعامل في المجتمع العربي بعامة وفي المدن بخاصة. وكان يزاول في المدينة مزاولة كبيرة٦ بين أهلها أنفسهم وبينهم وبين الوافدين إليهم. وكان وسيلة من وسائل زيادة


١ البخاري ٣/ ٦٩ القاموس مادة "ن ج ش".
٢ البخاري ٣/ ٧١- ٧٣.
٣ السمهودي ١/ ٥٤٦. البخاري ٣/ ٧٠-٧١.
٤ البخاري ٣/ ٦٣- ٦٤.
٥ نفسه ٣/ ٧٦- ٧٨.
٦ نفسه ٣/ ٥٩.

<<  <   >  >>