للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منسجمة. وقد انضاف إليهم المهاجرون، وهؤلاء ولو أنهم استقبلوا من إخوانهم مسلمي يثرب استقبالًا حسنًا في أول الأمر؛ إلا أنه يجب أن يحتاط لإقامتهم في المدينة. ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خلَّف وراء ظهره عدوًّا لدودًا هو قريش، وهذا العدو قادر على العدوان، ولمقاومة عدوانه يلزم الاستعداد والحيطة، وبناء الجبهة الداخلية بناءً سليمًا لتواجه الخطر الخارجي، وقد واجه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الوضع من أول الأمر مواجهة تدل على فَهم سليم وإدراك قوي، وأَظْهَر من بُعْدِ النظر ودقة التنظيم ما كفل لهذه الجماعة الاستقرار والترابط، والقدرة على النمو ومواجهة الاحتمالات الخارجية كلها بنجاح كبير أدى إلى تكوين الدولة الإسلامية العظيمة.

تكوين الدولة في يثرب

أول شيء قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد استقراره في يثرب هو ضمان معيشة المهاجرين، وهم جماعة تجار، تركوا أموالهم في مكة، ولا أمل لهم في استردادها. وقد اعتمد النبي على حسن نية المسلمين من أهل يثرب -الذين عُرِفُوا بالأنصار- وقد أظهر هؤلاء روحًا عالية من المروءة والكرم، فأعطوا المهاجرين شيئًا من المال وسمحوا لهم بالتجارة١، كما عمل بعض المهاجرين في مزارع الأنصار مزارعة٢، واستطاعوا بذلك أن ينظِّموا أمر معاشهم ولو على نحو ضئيل.

ثم رأى من أول الأمر أن يتخذ مكانًا يكون بمنزلة نادٍ عام للجماعة الإسلامية، تقيم فيه شعائرها الدينية، وفي الوقت نفسه تبحث فيه شئونها العامة، فقام ببناء المسجد بعد أن استقر في المدينة بقليل٣، فكان هذا المسجد هو المقر الذي اتخذته الرياسة الجديدة، وفيه كانت تُبْرَم كل الأمور، وفيه كان الاتصال بين المسلمين للتشاور في شئونهم العامة من سِلْمِ وحرب واستقبال وفود، وما إلى ذلك.


١ البخاري ٣/ ٥٢، ٦٥، ١٠٩.
٢ نفسه ٣/ ١٠٤، ١٥٥، ١١٦. ابن كثير ٢/ ٢٢٨، ٢٢٩.
٣ البخاري ٣/٢٦١٩.

<<  <   >  >>