للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوائد الدعوة الجديدة. كما كان يقدر ما تضم هذه القبيلة -التي هي قبيلته- من رجال تمرسوا بالحياة وخبروا الحكم وتسيير دفة الأمور سياسيًّا واقتصاديًّا عبر عن هذه في مناسبة بعد النصر في معركة بدر؛ إذ يقول أحد الشبان من الأنصار، وقد جاء الناس يهنئون النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنصر: "ما الذي تهنئوننا به؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعًا كالبدن المعلقة فنحرناها،

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أي ابن أخي، أولئك الملأ من قريش لو شهدت فعالهم احتقرت فعلك" ١. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحرص على مهادنة هذه القبيلة تقريرًا لميزاتها أكثر مما يحرص على حربها وعداوتها كما أنه كان يريد في الوقت نفسه أن يشعرها بقوة الدولة الجديدة وتصميمها على المحافظة على كيانها وسيادتها، وأنه لا يسمح مطلقًا بأن توطأ أرضها من عدو لا غازيًا ولا تاجرًا. كما أن السرايا حملت في الوقت نفسه تهديدًا لقريش بأن تجارتها مرهونة برضاء الدولة اليثربية، وعليها إذا كانت تريد أن تستمر في تسيير قوافلها نحو الشام أو نحو العراق أن تحسب حساب الوضع الجديد، ويجب أن تغير من سياستها المنطوية على العدوان بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين في يثرب. وأن تترك الحرية للمسلمين الذين حبستهم في مكة، وتترك الدعوة الجديدة تأخذ مجالها الحر دون مناوأة ودون حرب؛ وإلا فإنها تعرض نفسها لقطع تجارتها والقضاء على مواردها الاقتصادية؛ بقفل طريق التجارة المار في أراضي الدولة اليثربية في وجه تجاراتها، لكن السرايا لم تحمل أكثر من هذا التهديد؛ فلم تشتبك في حرب مع قوافل قريش ولم تستول على شيء منها، إلا ما كان من سرية أرسلها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بطن نخلة بين مكة والطائف لتعرف أخبار قريش، ولم تكن هذه السرية من القوة بحيث تشتبك في حرب أو تصادر قافلة، ولكن أفرادها تصرفوا على مسئوليتهم الخاصة؛ فاستولوا على قافلة صغيرة لقريش وقتلوا أحد رجالها وأسروا رجلين، وقد لام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفعل رجال هذه السرية على تصرفهم الشخصي هذا٢، ومن هنا يتبين أن مهمة السرايا لم تكن هجومية ولم يكن يقصد بها إلى


١ ابن هشام ٢/ ٢٨٦.
٢ نفسه ٢/ ٢٣٨- ٢٤١.

<<  <   >  >>