وأما خصوم الدولة الخارجيون، فكانوا قريشًا ومن ارتبط بها من قبائل العرب على أساس المصلحة المشتركة. وقد عملت قريش منذ الهجرة على إحباط مشروعات النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة بالاتصال بالطوائف المناوئة في الداخل، كما عملت على كسر شوكة الدولة اليثربية بانتهاك حرمة أراضيها ثم بالهجوم عليها بغية سحقها وتدميرها. وقد شاركت القبائل الموالية لقريش في هذا العمل إما بمحاولة الإغارة على أطراف الدولة وإما بالمشاركة في جيوش قريش؛ لكن موقف القبائل كان دائمًا مرتبطًا بمصالحها وكان من الممكن تحويلها من جانب إلى آخر حسب مصالحها؛ ولذلك لم يكن موقف القبائل ثابتًا، وقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- تدريجيًّا أن يحولها إلى جانبه، حتى إذا ما مضت ثماني سنوات كان موقف القبائل قد تعدل نهائيًّا لصالح يثرب. وفي كل أدوار هذا الصراع استخدم الطرفان المتنازعان -ونعني بهما المدينة ومكة التي هي العدو الأول وحولها التف كل الخصوم- كل ما يملكان من قوة مادية وأدبية، وكان النصر معقودًا لمن يستطيع أن يتفوق على الآخر في توجيه الأمور توجيهًا سليمًا مبنيًّا على إدراك قوي للموقف الداخلي والخارجي في المدينتين، وعلى فهم طبائع النفوس وتوجيهها لمصلحته.