للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بنو هاشم في مكة وهم عشيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- الأقربون، وقد حموه ودافعوا عنه طول مدة إقامته في مكة بعد البعثة إلى أن هاجر، وتحملوا الشدة والمقاطعة في سبيل نصرته بدافع العصبية، وحين اعتزم عقد البيعة الكبرى مع أهل المدينة لم يُخْفِ أمرها عن عمه العباس؛ بل إن العباس حضر هذه البيعة ليستوثق لابن أخيه وليطمئن على موقف أهل المدينة منه، ولقد كان العباس عينًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- على أهل مكة يكتب له بكل تحركاتهم واستعداداتهم ضده، وكان من بمكة من المسلمين يلتقون به وكان لهم عونًا على إسلامهم، وكان يذيع بين أهل مكة أخبار انتصارات النبي -صلى الله عليه وسلم- على خصومه، وهو بذلك يضعف الروح المعنوية عند أهل مكة، ومن غير شك كان له دور كبير في تسليم أهل مكة في عام الفتح سنة ٨هـ١. كما كان هوى بني هاشم من غير شك مع محمد وأمانيهم في نصره، وكانت قريش تعلم هذا فيهم٢، ولكنها لم تكن تستطيع أن تفعل شيئًا. فلو فرضت عليهم الهجرة وأخرجتهم من مكة فإنها بذلك تزيد من عدد محمد وتكثر من عدد الحانقين عليها، وتحرم كذلك من رجال لهم نشاط اقتصادي كبير مثل العباس بن عبد المطلب، ومن رجال موالين لها منهم من أمثال أبي لهب بن عبد المطلب، وإن أبقت عليهم كانوا عينًا لمحمد عليها ولم تجد قريش حلًًّا لهذا الوضع فاحتملته على ما هو عليه.

ثم إن مكة تعتمد في حياتها الاقتصادية على تسيير قوافلها وبخاصة نحو الشمال، وها هي دوريات يثرب ثم قواتها تهدد هذا الطريق وتتصدى للقوافل فتوقف نشاطها فتحدث في مكة الضائقة الاقتصادية؛ الأمر الذي يضعف قدرتها يومًا بعد يوم.

كل هذه العوامل هزت الجبهة المكية في الداخل هزًّا شديدًا، ولم يجد زعماء قريش -على ما بذلوا من جهد- حلًّا لها وبقيت أسباب ضعف يزداد على الأيام.

هذه هي الحالة الداخلية في كل من المدينتين المتعاديتين. أثناء الصراع الذي نشب بينهما واستمر ثماني سنوات، وكتب له أن ينتهي نهاية سعيدة بفتح مكة فتحًا سلميًّا والإبقاء على قوى العرب سليمة.


١ أسد الغابة ٣/ ١٠٩، ١١٠.
٢ ابن هشام ٢/ ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٩٦.

<<  <   >  >>