للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يقول الشعر إلا في هجاء أو رثاء، ويظل على هذه الحال أيامًا وشهورًا وأحيانًا أعوامًا، فإذا أخذ ثأره حل له ما حرمه على نفسه، فنظام الثأر كان هامًّا جدًّا في حياة القبائل العربية قبل الإسلام، ولقد قاومه الإسلام مقاومة شديدة؛ ولكنه لم يمت، ولتأصله في نفوس العرب ظل يحيا في المجتمع العربي حتى يومنا هذا.

وكان العرب يعتقدون أن المقتول إذا لم يدرك ثأره ينبعث على قبره طائر اسمه الهامة ينادي بثأره شاكيًا الظمأ، ولا يسكت حتى يُؤخذ ثأره:

يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني ١

له هامة تدعو، إذا الليل جنها ... بني عامر، هل للهلالي ثائر؟

وكان الأمر ينتهي بالثائر إلى ثلاث حالات:

إما أن يثار ولي الدم من القاتل أو من عشيرته، وإما أن يأخذ الدية، وإما أن يعفو.

وعند أخذ الدية يلاحظ مكانة الرجل المقتول، فالرجل الحر الشريف غير المولى. ومتوسط الدية مائة من الإبل٢. ودية الحليف نصف دية الصريح٣. أما دية السادة فقد تصل إلى الخمسمائة وإلى الألف٤. على أن هناك نوعًا من الدية يعرف بدية الخفارة، وهي أنه إذا أجار شخص شخصًا آخر فقتل جواره ولم يمنعه، كان عليه أن يدفع لوليه سبعين عُشراء -وهي الناقة التي مضي على حملها عشرة أشهر ٥.

وكانت العرب تعيب من يأخذ الدية ويرضى بها دون درك ثأره وشفاء غيظه، إذ إنها تعتبر الاكتفاء بالدية دليلًا على الجبن والخوف من القاتل؛ ولذلك لم تكن الدية تقبل إلا عند الشعور بالضعف، أو عند التفاني بين القبائل، أو إيثار السلم، كما فعلت قريش في حرب الفجار، فيقوم الصلح على أساس حساب القتلى، ودفع دية الزيادة.


١ الأغاني ٣/ ١٠٥.
٢ نفسه ٦٣، ٦٥.
٣ نفسه ١٩، ٤٠.
٤ العقد الفريد ٥/ ١٤٨. الآلوسي ٣/ ٢٢- ٢٤.
٥ الأغاني ٤/ ١٥٥.

<<  <   >  >>