للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العاكف والباد، إذ هي صدته وأصحابه عن زيارة البيت وأداء الفريضة التي هي حق للجميع.

واستجاب المسلمون لنداء نبيهم، والفرحة تملأ قلوبهم، المهاجرون منهم والأنصار على السواء، أما المهاجرون فقد طردوا من وطنهم وحرموا من بلدهم ظلمًا وعدونًا ستة أعوام، حالت فيها قريش بينهم وبين زيارة هذا الوطن وألزمتهم جو العداوة والحرب، وأما الأنصار فقد حرموا من زيارة البيت الحرام الذي كان مهوى نفوس العرب جميعًا، كما تَحملوا جو الحرب بما فيه من إعنات ومن ضياع للأنفس والأموال، وها هي الفرصة تأتي ليعود المهاجرون إلى وطنهم زائرين وليعاودوا الاتصال ممن تركوا فيه من الأهل والإخوان، وليطفئ الأنصار حنينهم إلى بيت الله الحرام، وليخرجوا من جو الحرب إلى جو السلام.

وأما الأعراب؛ فقد ظنوا أنها مغامرة يقوم بها المسلمون أن يزوروا مكة وأن قريشًا سوف تنتهزها فرصة للقضاء عليهم، ولن يصدها عن ذلك الشهر الحرام، ولا البيت الحرام، فقد لجت في الخصومة وبلغت بها إلى الشوط الأبعد الذي ليس بعده صلح ولا مسالمة، واعتبروا أن هذه سفرة بلا عودة، وعلى عادة الأعراب من الحذر أبطأوا فلم يستجيبوا لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم١.

وفي أول ذي القعدة -أول الأشهر الحرام- من سنة ٦ هجرية٢ خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في ألف وأربَعمائة٣ من أصحابه متجهًا إلى مكة، يسوق أمامه الهدي سبعين بدنة وقد قلدها وأشعرها توكيدًا لنيته السلمية وقصده زيارة البيت٤. ولم يحمل أحد من هؤلاء الرجال سلاحًا إلا ما يحمله المسافر من سيف في غمده ٥.

وعلمت قريش بمسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين إلى مكة فتشاور زعماؤها في الأمر، وعلى الرغم من مظهر السلم الذي سار به النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى الرغم من إعلانه نيته في العمرة وندائه بهذا بين العرب، فإن زعماء قريش أوجسوا خيفة من هذه الزيارة، فلربما تكون مكيدة أراد بها محمد أن يدخل مكة، وحتى إذا لم تكن مكيدة وكانت عمرة عادية فإن قريشًا قدرت ما يكون لو أن المسلمين اختلطوا بأهل مكة وحادثوهم وزال جو


١ ابن هشام ٣/ ٣٥٦. إمتاع ١/ ٢٧٦.
٢ ابن سعد ٣/ ١٣٩. إمتاع ١/ ٢٧٥.
٣ ابن هشام: نفسه. ابن سعد: نفسه.
٤ ابن هشام ٣/ ٣٥٦. ابن سعد ٣/ ١٣٩.
٥ ابن سعد: نفسه. إمتاع ١/ ٧٥.

<<  <   >  >>