أوضحنا ذلك في فصل الحياة الاقتصادية في مكة. وكان توقف قوافل قريش يؤدي إلى الإضرار بمصالح هذه القبائل، كما تؤدي حالة الحرب بين مكة المدينة إلى إرباك قريش، وهذا يؤدي بدوره إلى إضعاف النشاط التجاري في الأسواق الموسمية حول مكة. من أجل ذلك وقفت القبائل العربية التي كانت تعيش إلى شمالي مكة في منطقة الحجاز ومنطقة نجد الغربية موقفًا عدائيًّا من الدولة اليثربية واعتبرت وجودها ضارًّا بمصالحها. وحتى القبائل التي كانت على صلات ودية بيثرب قبل الإسلام كسليم ومزينة وغطفان، تحولت إلى موقف العداء لها، وأخذت تناوئها وحاولت شن الغارات عليها.
وحفلت الفترة ما بين بدر وأحد بتحرشات هذه القبائل ضد المدينة، ولذلك اتجهت سرايا النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها في هذه الفترة إلى منطقة سليم وغطفان تضرب على أيدي هذه القبائل، وتفرق كل اجتماع منها لغزو المدينة أو النيل من أطرافها١.
وبعد أُحد اشتد نشاط القبائل ضد المدينة واتسعت دائرته، وتنوعت وسائله، فقد تجرأت القبائل على حرب المدينة والنيل من المسلمين بعد هزيمتهم في أحد أمام قريش، وكانت بدر قد أوجدت العرب في قلوبهم، لكنهم بعد أحد بدءوا يستعيدون شجاعتهم ويكيدون للمدينة ويستعدون لضربها، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان حذرًا دائمًا يبث عيونه في منطقة القبائل فتأتيه بأخبار تحركاتها وتجمعاتها، فيسرع في إرسال سراياه لضربها قبل أن تكمل استعدادها ويشتد جمعها، وعلى الرغم من قلة رجال السرايا التي كان يرسلها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أنها كانت تفاجئ القبائل وتدهمها على غرة منها فتشتت تجمعاتها، وتستولي على إبلها وأغنامها وتوقع بمن تصل إليه من رجالها.
وكان أول ما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد شهرين من أحد أن طليحة وسلمة بن خويلد وكانا على رأس بني أسد، يحرضان قومهما ومن أطاعهما يريدان مهاجمة المدينة؛ ليصيبوا من أطرافها؛ وليغنموا من نَعم المسلمين التي ترعى الزروع المحيطة بمدينتهم، وإنما شجعهم على ذلك اعتقادهم أن المسلمين لا يزالون مضعضعين من أثر أحد، فما كاد هذا الخبر يبلغ مسامع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى عقد لأحد رجاله -سلمة بن عبد الأسد- لواء سرية تبلغ عدتها مائة وخمسون رجلًا منهم كثير من كبار المسلمين وشجعانهم وأمرهم أن يسيروا ليلًا ويكمنوا نهارًا وأن يسلكوا طريقًا غير مطروق حتى لا يطلع أحد على