للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذبيان وفزارة، فكأن غزوة مؤتة كانت بابًا دخل منه الإسلام في قلوب هؤلاء الذين كانوا من قبل يناصبون المسلمين العداء.

أما أثر مؤتة في قريش فكان أن اعتبرها بعضهم هزيمة على سلطان المسلمين؛ ولذلك يجب أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل عهد الحديبية، ولتُعِدَّ قريش حربًا على المسلمين ومن في عهدهم دون أن تخشى قصاص محمد.

وكانت خزاعة قد دخلت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكان بين خزاعة وبني بكر ثارات قديمة، سكنت بعد صلح الحديبية؛ فلما كانت مؤتة خُيِّل لقريش وحلفائها أن المسلمين قد قضي عليهم، ظن بنو بكر أن الفرصة سانحة ليصيبوا ثأرهم من خزاعة، وحرضهم على ذلك رجال من شباب قريش لم يقدروا الموقف تقديرًا صحيحًا، منهم عكرمة بن أبي جهل وبعض سادات قريش، وأمدوهم بالسلاح، وبيتت بنو بكر خزاعة ذات ليلة وهم على ماء لهم يسمى الوتير، فقتلوا منهم، وهزموهم حتى ألجأوهم إلى الحرم، وإلى دار بُديل بن ورقاء الخزاعي بمكة١.

وخرج عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة حتى وقف على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بالمسجد، فقص عليه نقض بني بكر وقريش العهد، وشكا إليه ما أصاب قومه، واستنصره بالعهد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم" ٢.

ثم خرج بديل بن ورقاء في جماعة من خزاعة حتى قدموا المدينة فأخبروا النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أصابهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم٣، وعند ذلك رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ما قامت به قريش من نقض العهد، لا مقابل له إلا فتح مكة، وأنها فرصة لا يجب أن تفوت فقد كان فتح مكة هدفًا يعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- لتحقيقه منذ أمد بعيد، ويهيئ له في أناة وصبر، ولذلك أرسل إلى المسلمين في أنحاء الجزيرة ليكونوا على أهبة الإجابة لندائه من غير أن يعرفوا وجهته بعد هذا النداء.

أما رجال الملأ من قريش فقد أدركوا ما عرضهم له عكرمة ومن معه من الشباب من خطر، فهذا صلح الحديبية قد نقض، وهذا سلطان محمد في شبه الجزيرة يزداد بأسًا وقوة، وقد انضمت إليه قبائل التي كانت تقاتل في صفوف قريش من قبل، وإنه إن فكر في الانتصار لخزاعة من أهل مكة تعرضت مكة لأشد الخطر؛ لذلك أوفدوا


١ ابن هشام ٤/ ٥٥٤. ابن كثير ٤/ ٢٧٨.
٢ ابن هشام ٤/ ١٠- ١٢.
٣ نفسه ٤/ ١٢.

<<  <   >  >>