للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء الولاة الجباة المعلمون الأولون لم يشلوا يد رؤساء القبائل حين وقفوا إلى جوارهم، بل كانوا يتعاونون تعاونًا تامًّا، وفي بعض الأحيان كانوا يضعون أنفسهم في حمايتهم.

وبدخول القبائل في الإسلام على هذا النحو أصبحت الجزيرة العربية كلها تحت سلطان دولة واحدة ولأول مرة في تاريخ الجزيرة يتوحد العرب تحت سلطان دولة عربية واحدة ولم يخرج على نفوذ الدولة من قبائل العرب إلا ما كان منها تحت نفوذ الدول الكبرى على حدود الجزيرة في بادية العراق والشام، والحد الذي كان يشغل بال النبي هو الحد المتاخم لدولة الروم، وقد حدث من جانب عرب الغساسنة والقبائل الموالية للدولة الرومية ما استدعى من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوجه بعض الحملات الحربية؛ لتوطيد سلطان دولته وتأديب القبائل التي تهدد حدودها الشمالية، وقبل وفاته قام بحملة كبيرة اشتركت فيها معظم قبائل العرب وبلغت عدة رجالها ثلاثين ألفًا١، إذ قد وصل إلى سمعه إشاعة حشد الروم على حدود الدولة العربية، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين وصل إلى تبوك لم يجد هذه الحشود المزعومة، فوادع المدن والقبائل على الحدود، وكان أمر هذه الحدود يشغله طيلة الفترة الأخيرة من حياته حتى أعد بعثًا عسكريًّا إلى هذه الجهة لم ينفذ إلا بعد وفاته.

وتوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول العام الحادي عشر بعد أن حج بنفسه في نهاية العام العاشر حجته الإسلامية الوحيدة التي سميت فيما بعد بحجة الوداع وفيها أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- المبادئ العليا، وبين للناس أن الإسلام كرسالة وكمبادئ قد اكتمل، وأن به قد أكمل الله على الناس دينهم وأتم عليهم نعمته: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: ٣] ٢.


١ ابن هشام ٤/ ١٦٩- ١٨٤.
٢ ابن هشام ٤/ ٢٧٥- ٢٧٨.

<<  <   >  >>