وإذا كان القرآن مرآة للحياة الجاهلية، فهو مرآة أشد صفاء لحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأطوار الرسالة الإسلامية والأحداث التي مرت بها، ولا يمكن أن يكون كتاب أوفى من القرآن وأوضح في تصويره في هذه الفترة.
والمصدر الثاني الذي يجب أن نعتمد عليه بعد القرآن هو الحديث الشريف، فإن أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بما فيه من أوامر ونواه، قد تناولت الحياة التي كانت جارية في ذلك الوقت، وعرضت لكل ما كان قائمًا من نظم الحياة الدينية والفكرية والاجتماعية والسايسية والاقتصادية، فأقرت ما رأته صالحًا، وعدلت ما يستقيم بالتعديل، ونهت عما رأته ضارًّا أو فاحشًا من حياة الناس؛ فالحديث الشريف لذلك هو المصدر الذي يلي القرآن في الأهمية، على أن يرجع إليه في كتب الحديث الصحاح، وعلى أن يلم الباحث بما وضع علماء الحديث من قوانين التعديل والجرح لمعرفة أوثق الأحاديث.
وإذا كنا قد أخذنا القرآن والحديث مصدرين أساسيين لبحث هذه الفترة من حياة الأمة العربية، فليس معنى هذا أننا نهمل المصادرالأخرى من شعر وتاريخ وتراجم وأنساب، وكل ما عرض له القدماء من ذكر للحياة العربية. بل نأخذ من كل منها ما يعطي من طاقة؛ لتكون الصورة التي نرسمها واضحة تامة، بشرط ألا يناقض ما نأخذ منها ما له ذكر في المصدرين الأساسيين.
وأحسب أنني حين التزمت بالقيام بهذا البحث -الذي أقدمه للقراء في هذا الكتاب- قد بذلت ما في وسعي من طاقة، وأعطيته ما يتناسب مع أهمية الموضوع من جهد ووقت. وكل أملي أن أكون قد فتحت به بابًا لدراسة هذه الفترة العظيمة الأهمية من حياة العرب والإسلام. وحسبي هذا جزاء مكافئًا، والله وحده هو الذي يتولى الجزاء. ومنه الهدى وهو ولي التوفيق..