للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو وادي مكة، خلا بني محارب والحارث ابني فهر وبني تميم بن غالب وهو الأدرم وبني عامر بن لؤي؛ فإنهم نزلوا الظواهر١، ومنذ ذلك التاريخ أخذت مكة في طور التحضر والاستقرار والتنظيم في شئون الحكم والاقتصاد، حتى أصبحت زعيمة الجزيرة العربية في نهاية القرن السادس. هذا مجمل ما ذكره المؤرخون العرب وأصحاب الروايات عن نشأة مكة وعن قيامها كمدينة على يد قصي بن كلاب القرشي.

وكأنما يريد هؤلاء المؤرخون أن يقولوا: إن مكة ظلت على بداوتها إلى أن اجتمع أمرها لقصي في منتصف القرن الخامس الميلادي. على أن بعض المؤرخين الغربيين يتشككون في وجود قصي نفسه٢، ويرون أنه شخصية خيالية ابتدعها خيال الأخباريين الإسلاميين؛ وعلتهم في ذلك أن ما يروون عنه يشبه ما يروى في الأساطير عن الأشخاص الذين ينسب إليهم إنشاء المدن، ويرفض البعض روايات المؤرخين العرب عن تجميع بطون قريش من تهامة وشعاب مكة، ويرون أن قبيلة قريش التي حكمت مكة واستطاعت أن تنقلها من حال البداوة إلى هذه الحال التي تتزعم فيها الجزيرة العربية، وتنشئ لها من التنظيم السياسي والديني والاقتصادي ما يكفل لها هذا التقدم، وما يدل على معرفة كبيرة بشئون الحكم والاستقرار؛ لا يمكن أن تكون إحدى هذه القبائل المتبدية في تهامة أو الحجاز، وأنها لذلك لا بد أن تكون قدمت من الشمال أو من بادية العراق بعد أن عرفت الاستقرار، ونالت قسطًا كبيرًا من التقدم والمعرفة بشئون الحكم، ولا يستبعد أن تكون من بقايا النبطيين الذين حكموا في الشمال، وكان لهم دولة مزدهرة كانت تقوم على التجارة، والذين تراجعوا نحو الجنوب بعد غزو الرومان لبلادهم ٣. وبخاصة أن القرشيين قد برعوا في التجارة إلى حد كبير، كما أن


١ اليعقوبي ١/ ١٩٦- ١٩٨.
٢ جواد علي ٤/ ١٩٤- ١٩٥
M. Watt, Mohamad ot Mecca P.٤.
.Lammens, La Mecque a la velle de I, Hegire. p. ١٤٨ - ١٩٤
يقول لامانس عن قصي: إنه محارب أجنبي جاء من الشمال من السهوب المحيطة بسوريا.
٣ شوقي ضيف: العصر الجاهلي ٤٩ Lammens, op. oit. p. ١٤٩

<<  <   >  >>