للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل لابن عبّاس: من سادة الناس؟ فقال: أمّا في الدنيا فالأسخياء، وأمّا في الآخرة فالأتقياء.

وسُئِل شعيب: ما الجود؟ فقال: أن لا يضن الرجل بما يملك عمّن هو لعطيّته أهل.

ومن أمثالهم: ألبخل يهدم مباني الكرم.

وقد ذمّ رجل رجلاً فقال: ما تبل إحدى يديه الاُخرى.

وقال آخر في البخيل: البخيل يملأ بطنه والجار جايع، ويحفظ ماله والعرض ضايع.

وقال معاوية لعمرو: ما السخاء يا أبا عبد الله عند العرب؟ قال: جهد المقل. ينظر فيه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جهد المقل أكثر من عفو المكثر.

وكان يقال: ما عزّة أثبت أركاناً ولا ألزم بنياناً من بثّ المكارم واكتساب المحامد.

ومن مختار قول الحكماء في الكرماء واللؤماء قولهم: الكرام في اللئام كالغرّة في جبهة الفرس.

ومن مختار قول الثعالبي في ذلك: الكريم إذا سُئل ارتاح، واللئيم إذا سُئل ارتاع. الكريم في مركز القلب، واللئيم في مزجر الكلب.

وقال في الكريم على حدّه: طلعة الكريم طلقة عند اللقاء ويده منطلقة بالعطاء.

وقال في اللئيم على حدّه: همّة البخيل هامدة ومنّته خامدة ويده جامدة، الإحسان إلى اللئيم أضيع من الرقم على بساط الهواء والخط على بسيط الماء.

وأحسن ما قيل في المبالغة بقلّة الكرام وكثرة اللئام قول الشيخ أبي تمام:

ولقد يكون ولا كريم نناله ... حتّى نخوض إليه ألف لئيم

ومن الغايات قوله في المدح بالسخاء:

هو البحر أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله

تعود بسط الكف حتّى لو أنّه ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله

ولو لم يكن في كفّه غير نفسه ... لجاد بها فليتّق الله سائله

قوله: تعود بسط الكف الخ لحظه السيّد الرضي فقال متحمّساً:

أبر على الآمال فضلي ونائلي ... وطال على الجوزاء قدري ومحتدي

ألفت يدي بذل النوال فلو نبت ... عن الجود يوماً قلت ما هذه يدي

وممّا يبهي بحسنه قول أبي الحسن بن مرزويه مهيار:

تعطي حياءً مطرقاً ملثّماً ... وقد وهبت مسنياً ومجزلا

ويسفر الناس على بخلهم ... لأنّهم لا يعرفون الخجلا

وقال البحتري:

يعطي عطاء المحسن الخضل الندي ... عفواً ويعتذر اعتذار المذنب

وقال أيضاً:

كاد ممتاحه لسابق جدواه ... يكون الإصدار قبل وروده

وقال أيضاً:

دع المطي مناخات بأرحلها ... لم ينض عنهنّ تصدير ولا حقب

فما تزيد على إلمامة خلس ... بأحمد بن عليّ ثمّ تنقلب

وقال أيضاً:

أعطيتني حتّى حسبت جزيل ما ... أعطيتنيه وديعةً لم توهب

فشبعت من بر لديك ونائل ... ورويت من أهل لديك ومرحب

وقال أبو نصر عبد العزيز:

قد جدتني باللهى حتّى بها ... وكدت من ضجري أثني على البخل

لم يبق جودك لي شيئاً أؤمّله ... تركتني أصحاب الدنيا بلا أمل

وقال البحتري:

إنّي هجرتك إذ هجرتك وحشةً ... لا العود يذهبها ولا الابداء

أحشمتني بندى يديك فسوّدت ... مابيننا تلك اليد البيضاء

وقطعتني بالجود حتّى أنّني ... متخوّف أن لا يكون لقاء

صلة غدت في الناس وهي قطيعة ... عجباً وبر راح وهو جفاء

ومنه أخذ أبوالعلا المعرّي معنى قوله وزاد فيه التمثيل فقال:

لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر

وفي هذا المعنى ما حكاه علي بن جبله المعروف بالعكوك قال: زرت أبا دلف بالجبل فكان يظهر من برّي وإكرامي والتحفي بي أمراً مفرطاً حتّى تأخّرت عنه حيناً، فبعث إليّ معقلاً فقال: يقول لك الأمير: قد انقطعت عنّي وأحسبك استقللت برّي فلا تغضب من ذلك فسأزيد فيه حتّى ترضى، فقلت: والله ما قطعني عنه إلاّ إفراطه في البرّ، وكتبت إليه:

هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر

ولكنّني لمّا أتيتك زائراً ... فأفرطت في برّي عجزت عن الشّكر

فملآن لا آتيك إلاّ مسلّماً ... أزورك في الشهرين يوماً وفي الشهر

فإن زدتني برّاً تزايدت جفوةً ... فلا نلتقي حتّى القيامة في الحشر

<<  <   >  >>