للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل لآخر: ما كنت صانعاً بمن أحببت لو ظفرت به؟ قال: أُحلّ الخمار وأُحرّم ما وراء الإزار، وأُطهّر الحب ما يرضى الرب.

وقيل لآخر: ما كنت صانعاً بمحبوبتك لو ظفرت بها؟ قال: أضمّها وألثمها وأعصي الشيطان في إثمها، ولا أفسد عشق عشرين سنة بلذّة ساعة تفنى لذّتها ويبقى عقابها، إنّي إن فعلت ذلك للئيم ولم يلدني كريم.

وما ألطف وأظرف قول بعضهم:

وباض الحب في قلبي ... فياويلي إذا فرّخ

وما أصنع في الحبّ ... إذا لم أنزح البربخ

وكان العشق أكثر وقوعاً في بني عذرة، ولقد اشتهروا فيه بين القبائل، وصاروا يُضرَب بهم المثل في العشق لكثرة من قتل منهم.

روي عن محمّد بن جعفر ما هذا ملخّصه أنّه قال: سمعت رجلاً من عذرة يتحدّث عند عروة، فقال له عروة: يا هذا بحقٍّ إنّكم أرقّ النّاس قلوباً؟ قال: نعم، والله لقد تركت في الحي ثلاثين شابّاً خامرهم الموت ما لهم داء إلاّ الحب.

وروي ما هذا مضمونه عن سعد بن عتبة أنّه حضر في مجلسه رجل فاستغربه، فقال له: ممّن أنت؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. فقال: عذريٌّ وربّ الكعبة، ثمّ قال له: ولِمَ كان بكم هذا الداء الذي أهلككم؟ قال: لأنّ في رجالنا صباحة وفي نسائنا عفّة.

وعنهم ما هذا ملخّصه أنّه قال رجل من فزارة لرجل من عذرة: إنّكم لتعدّون موتكم في الحبّ فضيلةً لكم ومزيّة، وإنّما ذاك من ضعف البنية ووهن العقيدة وسوء الرويّة. فقال العذريّ: أمّا إنّكم لو رأيتم المحاجر البلج ترشق بالأعين الدعج من فوقها الحواجب الزج من تحتها المباسم الفلج تفترّ عن الثنايا الغرّ كأنّها البرد والدر لجعلتموها اللاّت والعزّى.

واعلم أنّ من المعلوم عند العرب أنّ الشيء إذا عظم كالسيف والرمح والأسد والداهية والخمر عظمت فيه عنايتهم ووضعوا له أسماء وصفاتاً كثيرة، ولمّا كان لا شيء عندهم أعظم من الحب كانت عنايتهم فيه أعظم فوضعوا له صفاتاً وأسماء لا تكاد تحصى وأيسرها ما نقله عنهم الحصيري في بعض مصنّفاته فقال: الحب، والعشق، والهوى، والمقة، والعلاقة، والرقّة، والكئابة، والصبابة، والكرب، والصبوة، والشغف، والتوق، والوله، والكلف، والأسف، والدنف، والجوى، والخلّة، والودّ، والكمد، والسهد، والخبل، والجنون، والتدلية، والنبل، والشجون، والحرق، والرسيس، والأرق، والوجل، والحزن، والتلدد، والبلابل، والوهل، والنبالة، والتبالد، والتنيم، والجزع، والخوف، والوصب، والإكتئاب، والشجن، والهلع، والهيام، والنصب، والغرام، والحسرات، والخلاعة، والتباريح، والغمرات، واللعج، والحنين، والتلهّف، والأنين، واللذع، والندم، والإستكانة، واللوعة، والسقم، والفتون، والتفجّع، والمسُّ، واللمم، والداء المخامر، والضنى المسامر، والعقل المختلس، والنفس المحتبس، واللبّ المسلوب، والدمع المسكوب.

إنتهى كلامنا على العشق.

وظماء الوشح وغراثها: الظماء هي العطشانة، والغراث هي الجائعة، ووصف الأوشحة بالعطش والجوع كناية عن دقّة الخصر لأنّ ذلك من الصفات المحمودة في النساء، ويقال: هي مخطفة الحشا ومهضومة الحشا ومرهفة الخصر وعظيمة الكشح، ويقابلون ذلك بارتواء الأرداف والمخلخل، والمراد به الساق. قال امرؤ القيس:

هصرت بفودي رأسها فتمايلت ... عَلَيّ هظيم الكشح ريّا المخلخل

وقال أبو تمام:

فتأبّدت من كلّ مخطفة الحشا ... غيداء تكسى بارقاً ورعاثا

وقال البحتري:

أظالمة العينين مظلومة الحشا ... ضعيفة كفّي الخيال المؤرّقا

وقال أيضاً:

ويقلُّ انتصار من هظمته ... ذات كشح مهفهف مهظوم

وقال أيضاً:

أوانس ظمآنةٌ وشحها ... ريّانة خرسٌ خلاخيلها

وقال الآخر:

ونشوان من خمر الدلال سقيته ... شمولاً فنمت عن هواه الشمائل

شكى ظمأً منه الموشّح وارتوت ... بماء الصبا أردافه والخلاخل

وهذا الباب واسع جدّاً.

والرعاث هو القرط. قال الأرجاني وقد شبّه القرط بالثريّا:

تذكر كم ليل لهونا به ... قرطك قد كان ثريّاه

وقال الأموي:

بدا والثريّا في مغاربها قرط ... بريق شجاني والدجى لم شمّط

وإنّما يشبّه القرط بالثريّا لأنّه مثله في الهيئة.

<<  <   >  >>