للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحكى أنّ بني فزارة وبني هلال بن عامر بن صعصعة تنافروا إلى أنس بن مدرك الخثعمي وتراضوا به، فقالت بنوا هلال: يا بني فزارة أكلتم أير الحمار، فقالت بنوا فزارة: مدرتم الحوض بسلحكم، فقضى أنس لبني فزارة على بني هلال، فأخذ الفزاريّون منهم مائة بعير كانوا تخاطروا عليها. وفي مادر وهو الذي مدر الحوض بسلحه يقول الشاعر:

لقد جللت خزياً هلال ابن عامر ... بني عامر طرّاً بسلحة مادر

فأُفٍّ لكم لا تذكروا الفخر بعدها ... بني عامر أنتم شرار المعاشر

هذا آخر ما أردناه أن نذكره من التعريضات، ثمّ لنرجع إلى ما كنّا فيه من ذكر الأجوبة المسكتة.

يروى أنّ الفرزدق لقيه نبطي بيثرب فقال له: أنت الفرزدق؟ قال: نعم. قال: أنت الذي يخاف النّاس لسانك؟ قال: نعم. قال: فإذا هجوتني يموت فرسي؟ قال: لا. قال: فيموت ولدي؟ قال: لا. قال: فأموت أنا؟ قال: لا. قال: فأدخلني الله في حر أُمّ الفرزدق من رجلي إلى عنقي. فقال له: ولم تركت رأسك؟ قال: حتّى أرى ما تصنع الزانية.

ومرّ الفرزدق بزياد الأعجم وهو قائم ينشد، فقال له: تكلّمت يا أقلف؟ فقال له زياد: ما أسرع ما خبّرتك بها أُمّك. فقال الفرزدق: هذا وأبيك الجواب المسكت.

عن عوانة قال: جرى بين عروة بن الزبير وبين عبد الملك بن مروان كلام فأغلظ له عروة، وكان الحجّاج حاضراً فقال: يابن العميا! أتكلّم أمير المؤمنين بمثل هذا؟ فقال له: وما أنت وذاك يابن المتمنّية؟! فضحك عبد الملك وقال: قد كنت غنيّاً عن هذا. وإنّما اراد عروة أنّ أُمّ الحجّاج وهي الفارغة بنت همام قالت:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر ابن حجّاج

وكان نصر بن الحجّاج هذا من أجمل أهل المدينة.

وعن المدايني قال: جرى بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن سعيد منازعة، فأغلظ له عمرو، فقال له خالد بن يزيد: يا عمرو! أمير المؤمنين لا يُكلَّم بمثل هذا! فقال له عمرو: أسكت فوالله لقد سلبوك ملكك ونكحوا أُمّك فما هذا النصح الموشّح بغش، أنت كما قال الشاعر:

كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت ... بينها فلم ترقع بذلك مرقعا

وهذا كما قيل:

كتاركة بيضها بالعراء ... وملحفة بيض أخرى حناها

ودخل مالك بن هبيرة السلولي على معاوية فأدناه وأجلسه، وكان شيخاً كبيراً، فخدرت رجله فمدّها، فقال له معاوية: يا أبا سعيد! ليت لنا جارية لها مثل ساقيك! قال: متّصلان بمثل عجيزتك يا أمير المؤمنين، فخجل معاوية وقال: واحدة بواحدة والبادي أظلم.

وقال معاوية لصحار العبدي: يا أزرق! قال: الباز أزرق. قال: يا أحمر! قال: الذهب أحمر. قال: ما هذه البلاغة التي فيكم يا عبد القيس؟ قال: شيء يختلج في صدورنا فتقذفه ألسنتنا كما يقذف البحر الجوهر.

وقدم الحجّاج على عبد الملك بن مروان، فمرّ بخالد بن يزيد بن معاوية ومعه رجل من أهل الشام، فقال الشامي لخالد: من هذا؟ فقال الخالد كالمستهزىء: هذا عمرو بن العاص، فعدل إليه الحجّاج فقال: إنّي والله ما أنا بعمرو بن العاص ولا ولدت عمرواً ولا ولدني ولكنّي ابن الغطاريف من ثقيف، والعقائل من قريش، ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلّهم يشهد أنّك وأباك وجدّك من أهل النّار، ثمّ لم أجد عندك لذلك جزاءً ولا شكراً، وانصرف عنه وهو يقول: عمرو بن العاص، عمرو بن العاص.

وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: والله إنّ فيكم لخصلة يا بني هاشم لا تعجبني؟ قال: ما هي؟ قال: لين فيكم. فقال له عقيل: إيّانا تعير يا معاوية؟! أجل، والله إنّ فينا لليناً من غير ضعف، وعزّاً من غير جبريّة، وأمّا أنتم يا بني أُميّة فإنّ وفائكم غدر، وعزّكم كفر. فقال معاوية: ما أردنا كلّ هذا منك يا أبا يزيد.

<<  <   >  >>