للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال معاوية يوماً على المنبر: أيّها النّاس إنّ الله تعالى فضّل قريشاً بثلاث: فقال لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتِكَ الأَقْرَبِين) ونحن عشيرته الأقربون، وقال: (وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) ونحن قومه، وقال: (لإيلافِ قُريش إيلافهم) ونحن قريش. فقال رجل من الأنصار: على رسلك يا معاوية فإنّ الله تعالى قال: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحقّ) وأنتم قومه، وقال: (ولمّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصدُّون) وأنتم قومه، وقال: (وقال الرَّسُولُ يا رَبِّ إنَّ قَوْمي اتَّخَذُوا هذا القُرْآنَ مَهْجُورا) وأنتم قومه، ثلاثة بثلاثة ولو زدتنا لزدناك، فأفحمه.

وقال قتيبة بن مسلم الباهلي لهبيرة بن مسروح: أيّ رجل أنت لو كانت أخوالك من غير سلول؟ فلو بادلت بهم، قال: أصلح الله الأمير! بادل بهم من شئت وجنّبني باهلة.

وقال جرير للفرزدق: يا أبا فراس! تحتمل مسألة؟ قال: نعم فسل عمّا بدا لك. قال: أيّما أحبّ إليك: أن يتقدّمك الخير أو تتقدّمه؟ قال: لا يتقدّمني ولا أتقدّمه بل نكون معاً، فاسمع مسألتي، قال جرير: هات، قال: أيّما أحبّ إليك: أن تدخل على امرأتك فتجد يدها على أير رجل أو تجد يد رجل على حرّها؟ فقال: قاتلك الله ما أقبلح لسانك.

وقيل: إنّ عمرو بن العاص رأى معاوية يضحك، فقال: ممّ تضحك يا أمير المؤمنين؟ قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوئتك يوم ابن أبي طالب، أما والله لقد وجدته كريماً ولو شاء لخرق رقعتك. فقال عمرو: أما والله إنّي لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأرعدت فرائصك ومال شقّك واحولّت عيناك وربا سحرك وبدا من أسفلك ما أكره ذكره لك، فمن نفسك فاضحك أو دع.

وقال بلال بن أبي بردة للهيثم بن الأسود في مجلس خالد بن عبد الله القسري: أنا ابن أحد الحكمين، فقال الهيثم: أمّا أحدهما ففاسق وأمّا الآخر فمائق، فأبن أيّهما أنت؟ ودخل عبيد الله بن ظبيان على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ما هذا الذي يقول الناس فيك؟ قال: وما يقولون يا أمير المؤمنين؟ قال: يقولون إنّك لا تشبه اباك! فقال: والله إنّي لأشبه به من الماء بالماء، ومن الغراب بالغراب، ولكن أدلّك على من لا يشبه أباه، قال: ومن هو؟ قال: من لم تنضجه الأرحام، ولم يولد لتمام، ولم يشبه الأخوال والأعمام. قال: ومن هو؟ قال: ابن عمّي سويد بن منجوف. وإنّما أراد عبد الملك وذلك أنّه ولد لسبعة أشهر.

قيل: لمّا ولي سليمان بن عبد الملك أُتي يزيد بن أبي مسلم مولى الحجّاج في جامعة وكان رجلاً ذميماً تقتحمه العين، فلمّا رآه سليمان قال: لعن الله من أجرّك رسنك وولي مثلك. فقال: يا أمير المؤمنين! رأيتني والأمر عنّي مدبر، ولو رأيتني وهو عَلَيّ مقبل لاستعظمت ما استصغرت، ولاستجللت ما استحقرت. فقال سليمان: أين ترى الحجاج: أيهوي في النّار أم قد استقرّ؟ فقال: يا أمير المؤمنين! لا تقل كذا فإنّ الحجّاج قمع لكم الأعداء، ووطأ لكم المنابر، وزرع لكم الهيبة في صدور النّاس، وبعد فإنّه يأتي يوم القيامة يمين أبيك عبد الملك، وشمال أخيك الوليد، فضعه حيث شئت.

وروي عن المأمون أنّه قال: ما أعياني جواب أحد قط مثل جواب ثلاثة أحدهم: أُمّ الفضل بن سهل فإنّي عزّيتها عن ابنها وقلت: لئن جزعت على الفضل لأنّه ولدك فها أنا ذا إبنك مكانه، فقالت: وكيف لا أجزع على من جعل لي مثلك ولداً. والثاني: رجل حضرته يزعم أنّه نبيّ الله موسى عليه السلام، فقلت له: إنّ الله تعالى أخبرنا عن موسى أنّه يدخل يده في جيبه فيخرجها بيضاء من غير سوء، فقال لي: متى فعل ذلك موسى، أليس بعد أن لقي فرعون؟ فاعمل كما فعل فرعون حتّى أعمل كما عمل موسى. والثالث: إنّ جماعة من أهل الكوفة اجتمعوا إليّ يشكون من عاملها، فقلت: إرضوا بواحد منكم أسمع منه، فرضوا برجل منهم، فقال لي في العامل وأكثر، فقلت: كذبت، بل هو العفيف الورع العدل، فذهب أصحابه يتكلّمون، فسكّتهم ثمّ قال: صدقت يا أمير المؤمنين هو كما ذكرت فواسِ بين رعيّتك في العدل، فصرفته عنهم.

وكتب رجل إلى صديق له يقترض شيئاً، فأجابه يشكو ضيق حاله، فكتب إليه: إن كنت كاذباً جعلك الله صادقاً، وإن كنت صادقاً جعلك الله كاذباً، وإن كنت معذوراً فجعلك الله ملوماً، وإن كنت ملوماً فجعلك الله معذوراً.

<<  <   >  >>