ما أصلح الدهر سوى صالح ... بالبذل والحلم وصدق المقال
فمن سواه قد بنى كعبةً ... كانت هي المأوى لنا والمئال
ماانفكّ عنها الدهر قصّادها ... لها مدى العمر تشدّ الرحال
فإنّ في ساحتها المجتبى ... يبدؤ بالإعطاء قبل السؤال
فدم مدى الأيّام والمصطفى ... أخوك في نعماء من ذي الجلال
لا يحسن التاريخ إلاّ له ... قارن بدر السعد شمس الجمال
وممّا قاله السيّد الشريف الذي أبدع في اختراع بدائعه الرائقة، وبرع في ابتداع إختراعه الفائقة، السيّد محمّد سعيد حبّوبي النجفي دام مشمولاً باللطف الجلي والخفي، مادحاً توأمي المجد الأشم، وعمادي السؤدد الأقدم، الأفخمين الأعظمين الحاج مصطفى والحاج محمّد حسن دام علاهما مدى الأيّام، ما سجعت على الأراكة ورق الحمام:
منح الصبابة أضلعاً وفؤادا ... وعصته سلوة مقصر فتمادى
وطغى عليه الحب وهو أميره ... فأطاع جامح قلبه وانقادا
ولهان يفرح إن دنا أهل الحمى ... منه ويحزن إن نأوه بعادا
بعثوا الخيال وما رقدت فليتهم ... بعثوا إليّ مع الخيال رقادا
أحيي الدجى قلقاً كأنّ نواظري ... خلقت محاجرها قذىً وسهادا
قلق الوساد كأنَّ من أهواه قد ... أهدى وشاحيه إليّ وسادا
قطف العيون ارورد من وجناته ... غرس المضاجع للمحبّ قتادا
يا غارساً بالجزع روضة حسنه ... ومخيف رائدها ظباً وصعادا
كنيت عنك بمن سواك مورياً ... بهوى سعاد وما هويت سعادا
أعرضت عنّي وادّعيت مودّتي ... أرأيت أعراضاً يكون ودادا
إن لم تساعف بالوصال فربّما ... عوّدت قلبي للجفا فاعتادا
ولقد أزورك بالمنى وخداعها ... وأجوب في فكري إليك وهادا
أبق فؤادي جمرة لا تطفه ... فالنّار إن خدمت تعود رمادا
إنّي تعبّدني الهوى لمغنّج ... دان الجمال لعزّه وانقادا
كبر الوقور إذا مشى يعتاده ... حتّى إذا غلب الدلال تهادى
فكأنَّ في برديه ملكا ظافراً ... جذلان أبدى زهوه وأعادا
قاس رقيق نال من زهر الربى ... خدّاً ومن زبر الحديد فؤادا
فإذا هززت هززت منه أراكة ... وإذا سئلت سئلت منه جمادا
لا يستجيب ولا ينيب ولا يثيب ... ولا يقيل ولا ينيل مرادا
ينأى فلا بعد الدنوّ فإن دنا ... يوماً نوى لك فرقة وبعادا
وتريبه عيني تخالس لحظه ... وضنىً طلى جسدي عليه جسادا
إنّي لأستر عفّتي بخلاعتي ... وأريد فيما أنتحيه مرادا
والضد قد يبدو بمظهر ضدّه ... أوما ترى نور العيون سوادا
بذمام ذيّاك الغزال حشاشة ... أسرت ولم تقبل فدىً فتفادى
أخذ الحشاشة ثمّ ضنَّ بردّها ... وأبى البخيل بأن يكون جوادا
لله يوم وداعه من عصبة ... وقفت وقد سرت الجمال وخادا
وقفت بهم أقدامهم أن يقتفوا ... أثر النياق فأركضوا الأكبادا
فوق الركائب أنجم لا تجتلي ... ورياض حسن تمنع الروّادا
عرب معاطف غيدهم ورماحهم ... سيّان كلّ ينثني ميّادا
سلوا لواحظهم فكنَّ صوارماً ... وغدت ذوائبهم لهنّ نجادا
فتخال كلاًّ في المحاسن يوسفاً ... وتخال من مصر له بغداد
يا ربع لذّاتي ومربع جيرتي ... روى معاهدك الغمام وجادا
لا أبتغي للوصل فيك نهاية ... أبداً ولا للعيش فيك نفادا
لا والذي سمك السموات العلى ... وأقامهنَّ وما أقام عمادا
ودحا البسيط صحارياً وصحاصحاً ... وسباسباً وفدافداً ووهادا
لا أرتضي غير الأكارم معشراً ... يوماً ولا غير العراق بلادا
كلاّ ولا أنشي لغير المصطفى ... وأخيه قافية تروق نشادا
الباذلين لكّ ثاو بلغة ... والمتبعين لكلّ ركب زادا
والسابقين بكلّ حلبة مفخر ... والجائزين من العلى الآماد
سلكا من العلياء نهج أبيهما ... إنّ الشبول لتقتفي الآسادا
علمي هدىً قمري دجىً مطري جدى ... إن أرشدا أو أشرقا أو جادا
وتجاريا فتباريا وتساويا ... في كلّ ما قد أبديا وأعادا