قد زهت بالزورا لأنّك فيها ... فهي عين لها وأنت الضياء
لك يا ما أرقّ طبعك حلم ... هو في الخطب صخرة صمّاء
وسجاياً تنفّس الروض منها ... عن نسيم تطله الأنداء
أقول: فأمّا الفضل فذكره ابن خلّكان قال: هو الفضل ابن يحيى ابن خالد البرمكي، كان من أكثر البرامكة كرماً مع كرمهم وسعة جودهم، وكان أكرم من أخيه جعفر، وكان أخوه جعفر أبلغ في الرسائل والكتابة منه، وكان هارون الرشيد قد ولاّه الوزارة قبل جعفر، وأراد أن ينقلها إلى جعفر فقال لأبيهما يحيى: يا أبتي، وكان يدعوا الفضل يا أخي، فإنّهما متقاربان في المولد، وكانت أُمّ الفضل قد أرضعت الرشيد واسمها زبيدة، من مولدات المدينة، والخيزران أُمّ الرشيد أرضعت الفضل، فكان أخوين من الرضاع، وفي ذلك قال مروان بن أبي حفصة يمدح الفضل:
كفى لك فضلاً أنّ أفضل حرّة ... غذّتك بثدي والخليفة واحد
لقد زنت يحيى في المشاهد كلّها ... كما زان يحيى خالداً في المشاهد
قال الرشيد ليحيى: قد احتشمت من الكتابة في ذلك إليه فاكفنيه، فكتب إلى الفضل ولده: قد أمر أميرالمؤمنين بتحويل الخاتم من يمينك إلى شمالك، فكتب إليه الفضل: قد سمعت مقالة أميرالمؤمنين في أخي وأطعت، وما انتقلت عنّي نعمة صارت إليه، ولا عزبت عنّي رتبة طلعت عليه. فقال جعفر: لله أخي ما أنفس نفسه وأبين دلائل الفضل عليه، وأقوى منّة العقل فيه وأوسع في البلاغة ذرعه.
وكان الرشيد قد جعل ولده محمّداً في حجر الفضل بن يحيى، والمأمون في حجر جعفر، فاختصّ كلٌّ منهما بمن هو في حجره.
وكان أبوالهول الحميري قد هجا الفضل، ثمّ أتاه راغباً إليه، فقال له: ويحك بأيّ وجه تلقاني؟ فقال: بالوجه الذي ألقى به الله عزّوجلّ وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك، فضحك ووصله.
ومن كلامه: ما سرور الموعود بالفائدة كسروري بالإنجاز.
وأمّا أبوه: فكان وزير هارون الرشيد، وكان جدّهم برمك من مجوس بلخ وكان يخدم النوبهار وهو معبد كان للمجوس بمدينة بلخ توقد فيه النيران، واشتهر برمك وبنوه بسدانته، وكان برمك عظيم المقدار عندهم، وساد ابنه خالد وتقدّم في الدولة العباسيّة وتولّى الوزارة لأبي العبّاس.
وأمّا واصل بن عطاء ويُكنّى أبا حذيفة كان معتزليّاً يعرف بالغزّال مولى بني ضبه، وقيل: مولى بني مخزوم.
وقال المبرّد في الكامل: لم يكن واصل بن عطاء غزّالاً ولكنّه كان يلقّب بذلك لأنّه كان يلازم الغزّالين ليعرف المتعفّفات من النساء فيجعل صدقته لهنّ.
وقال السيّد المرتضى: قيل إنّه كان مولىً لبني هاشم وإنّما لقّب بالغزّال لأنّه كان يكثر الجلوس في الغزّالين عند رضيع له يعرف بأبي عبد الله الغزّال، فلقّب بالغزّال كما لقّب أبو سلمة حفص بن سليمان بالخلاّل، وهو وزير أبي العبّاس السفّاح قبل خالد بن برمك، ولم يكن أبو سلمة خلاّلاً وإنّما كان منزله بالكوفة بقرب الخلاّلين، فكان يجلس عندهم فسمّي خلاّلاً.
وقال أبو عبّاس المبردّ: كان واصل بن عطاء ألثغاً قبيح اللثغة في الراء، فكان يخلّص كلامه منها ولا يفطن لذلك لاقتدراه على الكلام وسهولة ألفاظه، وكان يضرب به المثل في إسقاط حرف الراء من كلامه، وقد استعمله الشعراء في أشعارهم كثيراً، فمنه قول أبي محمّد الخازن من جملة قصيدة يمدح بها الصاحب ابن عبّاد وذلك قوله:
نعم تجنّب لا يوم العطاء كما ... تجنّب ابن عطاء لثغة الراء
وقال آخر في محبوب له وكان ألثغاً:
أعدْ لثغةً لو أنّ واصل حاضرٌ ... ليسمّعها ما أسقط الراء واصل
وقال آخر:
أجعلت وصلي الراء لم تنطق به ... وقطعتني حتّى كأنّك واصل
وقيل: إنّ رجلاً قال لواصل: كيف تقول أسرج الفرس؟ فقال: ألبد الجواد.
وقال له آخر: كيف تقول ركب فرسه وجرّ رمحه؟ فقال: استوى على جواده وسحب عامله.
وقال بعضهم فيه:
ويجعل البرَّ قمحاً في تصرّفه ... وخالف الراء حتّى احتال للشعر
ولم يطق مطراً والقول يعجله ... فعاذ بالعيث إشفاقاً من المطر