قال الصاحب بن عبّاد: ما أحسن ما قاله الأصمعي لمّن أنشده:
فما للنوى جدّ النوى قطع النوى ... كذاك النوى قطاعة لوصال
سلّط الله على هذا البيت شاةً تأكل هذا النوى كلّه. وقول أبي الطيب المتنبي أيضاً:
أُسدٌ فرائسها الأُسود يقودها ... أُسدٌ تصير له الأُسود ثعالبا
قال ابن رشيق: لا أدري من أين تخلّص من هذه الغابة المملوّة أُسوداً.
وقوله أيضاً:
العارض الهتن ابن العارض الهتن ... ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن
قال ابن وكيع: لولا انتهاء القافية لمضى في العارض الهتن إلى آدم، وبانتهاء القافية علمنا نهاية عدد آبائه المستحقّين للمدح وهم ثلاثة ويقف هذا الأمر.
وقوله أيضاً:
جواب مسائلي أله نظيرٌ ... ولا لك في سؤالك لا إلى لا
قال الصاحب: إنّ مثل هذا البيت يلج سمعاً وقد سمعت بألفافا وما سمعت باللآلاء حتّى رأيت قائل هذا البيت المتكلّف المتعسّف الضعيف الذي لا يقف حيث يعرف.
وقوله أيضاً:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنّه بي جاهل
وقوله أيضاً:
ولا ضعف حتّى يتبع الضعف ضعفه ... ولا ضعف ضعف الضعف بل مثله ألف
وقوله أيضاً:
ولم أر مثل جيراني ومثلي ... لمثلي عند مثلهم مقام
وقوله أيضاً:
وقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيس كلّهنّ قلاقل
وذكر صلاح الدين الصفدي قال: أنشد الصاحب أبوالقاسم ابن عبّاد عضدالدولة قصيدته الملقّبة باللاكنيّة لكثرة ما كرّر فيها "لكن" وأوّلها:
أشبب لكن بالمعالي أشبب ... وانسب لكن بالمفاخر أنسب
وبي صبوة لكن إلى حضرة العلى ... وبي ظمأ لكن من العزّ أشرب
فلمّا بلغ إلى قوله فيها:
ضممت على أبناء تغلب تائها ... فتغلب ماكر الجديدان تغلب
قال عضدالدولة: يكفي الله تطيّراً من قوله تغلب.
وروى صاحب معاهد التنصيص قال: حدّث أبو دعامة أنّ سلم الخاسر دخل على الرشيد فأنشده قوله: حيّ الأحبّة بالسلام، فقال الرشيد: حيّاهم الله، فقال: أعلى وداع أم مقام؟ فقال الرشيد: حيّاهم الله على أيّ ذلك كان، فأنشده: لم يبق منك ومنهم، إلاّ الجلود على العظام، فقال الرشيد: بل منك ومن أحبابك، وأمر بإخراجه وتطيّر منه ومن قوله، فلم يسمع باقي قصيدته ولا أثابه بشيء.
ومثله في إسائة الأدب قول أبي الطيب المتنبي:
فغدا أسيراً قد بللت ثيابه ... بدم وبلَّ ببوله أفخاذا
وقوله أيضاً:
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت حاضت في الخدور العوانق
قال الثعالبي: وذكر البول والحيض ممّا لا يحسن ذكره في مخاطبة الملوك.
وقول عامر بن شهيد:
ذكرٌ على ذكر يصول ... وصارمٌ يسطو بصارم
قال ابن ظافر: قد غفل عامرٌ غفلة شديدة، وأساء من حيث ظنّ أنّه أحسن في قوله لممدوحه: ذكر على ذكر.
وقول أبي الفتوح ابن قلاقس على أنّه شمس علاء وعطارد ذكاء:
بطلاقة أبدت بصفحة وجهه ... وضح الصباح لمن له عينان
قالوا: ما علمنا أنّه يجعل في وجهه وضحاً حتّى جاء هذا الفاضح ابن شهيد فجعله على ذكر.
وقول الصاحب بن عبّاد حين أنشد عضدالدولة ابن بويه الديلمي:
ولو كنت تأذن لي بالمسير ... إذاً نهضت جملة الحاشيه
سبقت جوادك مدّ الطريق ... وسرت وفي يدي الغاشيه
فعتب عليه في قوله: في يدي الغاشيه.
وقول مهيار الديلمي:
وإنّك مذخور لإحياء دولة ... إذا هي ماتت كان في يدك النشر
قال صلاح الدين الصفدي: إنّي لأعجب من مهيار الديلمي على جلالة قدره واتّقاد خاطره وحسن تخيّله كيف يقول لممدوحه في يدك النشر.
وقول أبي بكر الخالدي حين أنشد سيف الدولة قصيدة تأنّق فيها وأحكم ألفاظها بقوافيها، وكان المخنّث حاضراً، فلمّا انتهى فيها إلى قوله:
وأنكرت شيبة في الرأس واحدة ... فعاد يسخطها من كان يرضيها
فقال المخنّث: أما تستحي تخاطب الأمير بقولك: واحدة؟ فجنّ الخالدي تعجّباً منه فقال له: ما أقول؟ قال: قل: لائحة أو واضحة. وكان أبوبكر وأبو عثمان الخالديّان من خواص سيف الدولة، فبعث إليهما وصيفاً ووصيفة ومع كلّ منهما بدرة وتخت ثياب مصريّ، فقال أحدهما قصيدة طويلة يشكره على صنيعه، فيها: