للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثنت طرفها دون المشيب ومن يشب ... فكلّ الغواني عنه مثنيّة الطرف

وجنَّ الهوى فيها عشيّة أعرضت ... بناظرتي ريم وسالفتي خشف

وأفلج برّاق يروح رضا به ... حراماً على التقبيل بسلاً على الرشف

البسل، الحلال، والحرام ضدّه، يقال للواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث.

وأمّا قولي: ماجد يخفض التكرّم منه الخ، فهو نظير قول البحتري:

وتواضع لولا التكرّم عاقة ... عنه علوٌّ لم ينله الفرقد

وقوله أيضاً:

متواضع وأقلُّ ما يعتدّه ... في المجد يوجب نخوة المتكبّر

وعزّة الجبروت المراد بها عزّة التكبّر، ومن ذلك المتكبّر وهو الذي لا يرى لأحد عليه حقّاً فهو بين الجبريّة والجبروت.

والمفاكهة، يقال: فكههم بملح الكلام تفكيهاً، أظرفهم بها، والإسم الفكيهة والفكاهة بالضم، وفكه كفرح فكها وفكاهةً فهو فكه وفاكهة طيب النفس ضحوك أو يحدّث صحبه فيضحكهم. وتفكّه، تعجّب، وفاكهه مازحه، وتفكّهت بالشيء تمنّعت به، والفكه الأشر البطر وكذلك الناعم، والمراد منها هنا الإظراف بملح الكلام أو التمتّع والتنعّم، والأوّل أليق. قال البحتري ولحظ مع الإظراف بملح الكلام طيب النفس:

ومفاكه عبق الكلام كأنّما ... يفضي إليك بلفظ فيه النرجس

وقال الطغرائي وأراد بالمفاكهة المزاح:

حلّوا الفكاهة مرّ الجدّ قد مزجت ... بشدّة البأس منه رقّة الغزل

وقد وقع في قولي منها:

قبلةٌ صلّت القوافي إليه ... قانتات بالمدح أي قنوت

مراعات النظير ويُسمّى التناسب، والتوافق، والإيتلاف، والمواخاة؛ وهو جمع أمر وما يناسبه مع إلغاء التضاد وبهذا القيد تخرج المقابلة لأنّ المناسبة بملاحظة التضاد أن يكون كلّ منهما مقابلاً للآخر، فهو في بيتنا هذا قصد المناسبة بذكر الصلواة والقنوت لما تقدّم ذكر القبلة. وقول البحتري:

كالقسيّ المعطفات بل الإس ... هم مبريّة بل الأوتار

ومعنى البيت أنّه يصف إبلاً أنحلها السرى بحيث صارت من الهزال كالقسيّ بل السهام بل الأوتار لأنّه لمّا ذكر القسيّ ناسب أن يذكر معها ما يناسبها من السهم والوتر وإلاّ فالألفاظ التي يشبه بها في النحول كثيرة مثل الهلال والخلال والعرجون وغير ذلك. قال مهيار الديلمي يصف إبلاً بشدّة النحول:

قسماً بالمنقبات الحنايا ... شقق الضالّ أو قسيّ النبع

كلّ جرداء لفّها السير بالسير ... فجائت في النسع مثل النسع

والمناسبة في بيت البحتري معنويّة، وهي لفظيّة في قول مهيار الديلمي:

ومدير سيّان عيناه والإبر ... يق فتكاً وريقه والرحيق

فالمراد بالإبريق هنا السيف البرّاق، وكان يصحّ أن يقال سيّان عيناه والصمصام أو الهندي فاختار الإبريق لمناسبته لفظاً للرحيق إذ الإبريق يطلق على إناء الخمر والرحيق هو الخمر، وهذا ليس من مراعات المعنى في شيء وإنّما هو مراعاة مجرّد اللفظ. ومن أحسن ما ورد في مراعات النظير قول ابن خفاجة يصف فرساً:

وأشقر يضرم منه الوغى ... بشعلة من شعل البآس

من جلنار ناضر جلده ... وأُذنه من ورق الآس

يطلع للغرّة في وجهه ... حبابةً تضحك في الكاس

والمناسبة فيه بين الجلنار والآس والنضارة. وما أبدع قول بعضهم:

أنتم بنوا طه ونون والضحى ... وبنوا تبارك والكتاب المحكم

وبنوا الأباطح والمشاعر والصفا ... والركن والبيت العتيق وزمزم

فإنّه أحسن في المناسبة بين أسماء السور في البيت الأوّل وبين أسماء الأماكن المذكورة في البيت الثاني ولهذا عيب على الطغرائي قوله:

فيم الإقامة في الزوراء لا سكني ... بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

قال الصلاح الصفدي: أُنظر إلى قلقلة في بيت الطغرائي لأنّه عطف الناقة والجمل على السكن ولو عطف على ذلك ما يناسبه من أهل وولد لكان أحسن وأوقع في النفس. ومن أحسن ما جاء في مراعات النظير قول الشريف الموسوي أبي الحسن الرضي:

ببروق أدراع ورعدِ صوارم ... وغمام قسطلة ووبل دماء

وبديع قول بعضهم يرثي فقيهاً:

روضة العلم قطبي بعد ضحك ... والبسي من بنفسج جلبابا

وهبي النائحات منثور دمع ... فشقيق النعمان بان وغابا

ولأبي العلا المعرّي:

<<  <   >  >>