للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دع اليراع لقوم يفخرون به ... وبالطوال الردينيات فافتخر

فهنّ أقلامك اللاّتي إذا كتبت ... مجداً أتت بمداد من دم هدر

ولبعض شعراء الذخيرة:

بدار سقتها ديمة أثر ديمة ... فمالت بها الجدران شطراً على شطر

فمن عارض يبكي ومن سقف مجلس ... يغني ومن بيت يميل من السكر

ومن الغايات قول البديع الهمداني من قصيدة:

سماء الدجى ما هذه الحدق النجل ... أصدر الدجى حال وجيد الضحى عطل

إلى أن قال في صفة السرى:

كأنّ مطايانا سماء كأنّنا ... نجومٌ على أقتادها برجنا الرحل

ومنها:

كأنَّ السرى ساق كأنّ الكرى طلاً ... كأنّا لها شربٌ كأنّ المنى نقل

كأنّا جياعُ والمطيُّ لنا فمٌ ... كأنّ الفلا زادٌ كأنّ السرى أكل

كأنّ ينابيع الثرى ثدي مرضع ... وفي حجرها منّي ومن ناقتي طفل

كأنّا على أرجوحة في مسيرنا ... لغور بنا يهوي ونجد بنا يعلو

ومنها:

كأنّ فميى قوسٌ لساني له يدٌ ... مديحي له نزعٌ له أملي نبل

كأنّ دواتي مطفل حبشيّة ... بناني لها بعلٌ ونقشي لها نسل

كأنّ يدي في الطرس غوّاص لجله ... بها كلمي درٌّ به قيمتي تغلو

وما أرشق قول ابن رشيق:

أصحّ وأقوى ما رويناه في الندى ... من الخبر المأثور منذ قديم

أحاديث ترويها السيول عن الحيا ... عن البحر عن كفّ الأمير تميم

ومن المستحسن قول ابن زبلاق في غلام معه خادم يحرسه:

ومن عجب أن يحرسوك بخادم ... وخدّام هذا الحسن من ذاك أكثر

عذارك ريحانٌ وثغرك جوهر ... وخدّك ياقوت وخالك عنبر

وردفك مثقال فهل أنت محسن ... عسى مقبلٌ بالوصل يأتي ميسّر

وما أبدع قول ابن مطروح:

وليلة وصل خلت ... ويا عاذلي لا تسل

لبسنا ثياب العناق ... مزرّرةً بالقبل

ومثله قول ابن عماد:

شقت عليك يد الأسى ... ثوب الدموع إلى الذيول

وعجيب قول ابن الخشّاب في المستضيء:

ورد الورى سلسال جودك فارتووا ... ووقفت دون الورد وقفة حائم

ظمآن أطلب خفة من زحمة ... والورد لا يزداد غير تزاحم

وقول ابن شرف في اجتماع البعوض والذباب والبرغوث في مجلس مخاطباً لصاحبه يستهزىء به:

لك مجلسٌ كملت مسرّتنا به ... للهو لكن تحت ذاك حديث

غنّى الذباب وظلَّ يزمر حوله ... فيه البعوض ويرقص البرغوث

ومن النهايات هنا قول القاضي الفاضل:

في خدَّه فخٌّ كعطفة صدغه ... والخال حبّته وقلبي الطائر

رَجْعٌ إلى ذكر باقي أبيات المقطوعة: فأمّا قولي فيها:

يابن قوم ما ناضلوا الخصم إلاّ ... شغلوه بسنّه المنكوت

فمعناه أنّ كلاًّ من آبائه منطيق ذو فصاحة وبلاغة ما ناضله خصم إلاّ وقطعه عن الكلام وتركه من شدّة الغيظ والندم مشغولاً بنكت سنّه، ونكت السنّ كناية عن ذلك وكذلك عضّ الإصبع، قال تعالى شأنه: (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظْ) ، وقال بعضهم:

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم ... فكأنّني سبّابة المتندّم

وقال الرضي:

تفلي أنامله التراب تعلّلاً ... وأناملي في سنّي المقروع

وقال أيضاً:

يعجبني كلّ حازم الرأي لا يط ... مع في قرع سنّه الندم

وجاء عنهم: رددت يد فلان إلى فيه أي منعته من الكلام. ولا بأس بذكر كنايات أوردها ابن أبي الحديد في شرح النهج، لأنّ فيها فوائد جليلة، وقد اختصرتها فذكرت أجلّها فائدة وأكثرها دوراناً في كلام الفصحاء: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: العين وكاء السه (السه الأُست) . قال الجوهري: الأُست العجز، وقد يراد به حلقة الدبر، وأصلها سته ولذلك تجمع على أستاه مثل جمل وأجمال، ثمّ قال: وفي الحديث: العين وكاء السه، بحدف عين الفعل، ويروى: وكاء الست، بحذف لام الفعل.

قال السيّد الرضي: وهذا من الكنايات العجيبة، كأنّه شبّه السه بالوعاء والعين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء.

وفي بعض الروايات: إذا نامت العينان استطلق الوكاء. والوكاء رباط القربة.

ويروى ما هذا مضمونه أنّ أباالعلاء المعرّي رقد فحدث منه شيء، فانتبه وبعض الحاضرين يضحك منه، فقال:

<<  <   >  >>