للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا نامت العينان من متيقّظ ... تراخت بلا شكّ تشارج فقحته

فمن كان ذاعقل فيعذر نائماً ... ومن كان ذا جهل ففي جوف لحيته

وقيل: إنّ يحيى بن زياد ومطيع بن أياس وحمّاد الراوية جلسوا على شرب لهم ومعهم رجل منهم فانحلّ وكاؤه، فاستحيى وخرج ولم يعد إليهم، فكتب إليه يحيى بن زياد:

أَمِنْ قلوص غدت لم يؤذها أحد ... إلاّ تذكّرها بالرمل أوطانا

خان العقال لها فانبتَّ إذ نفرت ... وإنّما الذنب فيه للذي خانا

منحتنا منك هجراناً ومقليةً ... ولم تزرنا كما قد كنت تغشانا

خفّض عليك فما في الناس ذو إبل ... إلاّ وأينقه يشردن أحيانا

أقول: وأين خجل هذا من وقاحة بشار بن برد فقد روى عنه أنّه جلس إليه رجل استثقله فأراد أن يخجله ليقوم عنه فضرط وهو بجنبه، ففزع الرجل، فقال له بشار: أسمعت أم رأيت؟ قال: بل سمعت، قال: فلا تصدّق حتّى ترى.

ومن الكنايات المستحسنة قولهم: فلان من قوم موسى إذا كان ملولاً، إشارة إلى قوله تعالى: (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعام واحد) .

قال أبو نؤاس في امرأة كان يختلف إليها غيره وهو يزورها ولا يعلم، فلمّا وقف على القصّة قال:

ومظهرة لخلق الله ودّاً ... وتلقى بالتحيّة والسلام

أتيت فؤادها أشكو إليها ... لم أخلص إليه من الزحام

أظنّك من بقيّة قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام

وقال آخر:

فيامن ليس يكفيه صديقٌ ... ولا ألفا صديق كلّ عام

أظنّك من بقايا قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام

وقال العبّاس بن الأحنف:

كتبت تلوم وتستريث زيارتي ... وتقول لست بها كعهد العاهد

فأجبتها ودموع عيني سجّم ... تجري على الخدّين غير جوامد

يا فوزُ لم أهجركم لملالة ... عرضت ولا لمقال واش حاسد

لكنّني جرّبتكم فوجدتكم ... لا تصبرون على طعام واحد

ويقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال "ابن جلا" وهو كناية عن الصبح.

ومثله قولهم: فلان قائد الجمل أي إنّه لا يخفى لعظم الجمل وكبر جثّته.

وفي المثل: ما استتر من قاد جملاً.

وقالوا: كفى برغائها نداءً.

ومثل هذا قولهم: ما يوم حليمة بسرّ، يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر، يوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر والحارث الغساني الأكبر وهو أشهر أيّام العرب. يقال: إنّه ارتفع فيه من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهاراً. وحليمة اسم امرأة أضيف إليها اليوم لأنّها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب فكانت تطيب به الداخلين إلى القتال حتّى تفانوا.

ويقال للجارية الحسناء: قد أبقت من رضوان، قال الشاعر:

جسّت العود بالبنان الحسان ... وتثنّت كأنّها غصن بان

فسجدنا لها جميعاً وقلنا ... إذ شجتنا بالحسن والإحسان

حاش لله أن تكوني من الإن ... س ولكن أبقت من رضوان

وقال نصر بن أحمد البصري من قصيدة:

تلألأ كالدرّ النقي نفاسةً ... وأشرب خدّاه عقيق حياء

فأحسبه من حور عدن وإنّما ... أتى هارباً في خلسة وخفاء

فلم أره إلاّ التفت توقّعاً ... لرضوان خوفاً أن يكون ورائي

سيؤخذ منّا ليس رضوان تاركاً ... على الأرض حوريّاً وبدر سماء

ويقولون في الشيخ الضعيف: قائد الحمار، إشارة إلى ما أنشده الأصمعي:

آتي النديّ فلا يقرّب مجلسي ... وأقود للشرف الرفيع حماري

أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي.

ومثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن، لأنّه إذا قام عجن في الأرض بكفّيه، قال الشاعر:

فأصبحت كنتياً وأصبحت عاجناً ... وشرُّ خصال المرء كنت وعاجن

قالوا: الكنتي هو الذي يقول كنت أفعل كذا وكنت أركب الخيل يتذكّر ما مضى من زمانه، ولا يكون ذلك إلاّ عند الهرم أو الفقر أو العجز.

ومثله قولهم للشيخ: راكع، ويقال أيضاً للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر: قد ركع.

ويقولون للكبير: يدبُّ له الأرنب، لأنّ من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته.

ويقولون قيد بفلان البعير، للكبير الذي لا قوّة ليده على أن يصرف البعير تحته على حسب إرادته فيقوده قائد يحمله حيث يريد.

ومن الكناية عن شيب العنفقة قولهم: قد عضَّ على صوفة.

<<  <   >  >>