ولا تقولي لشيء كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت معطي العنس والجملا
يرى البخيل سبيل الماء واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا
ولم يكن يمسك شيئاً ما عدا فرسه وسلاحه فإنه كان لا يجود بهما.. وذكر الحريري أن عقيلا تمثل بقول حاتم: شنشنة أعرفها من أخزم.
- ٤ - ويروى أن الحكم بن أبي العاص خرج ومعه عطر يريد الحيرة، وكان بالحيرة سوق يجتمع إليها الناس كل سنة، فمر في طريقه بحاتم بن عبد الله الطائي، فسأله الجوار في أرض طيء حتى يصير إلى الحيرة، فأجاره، ثم أمر حاتم بجزور فنحرت وطبخت، ثم دعاهم إلى الطعام فأكلوا ولما فرغوا من الطعام طيبهم الحكم من طيبه.
وكان النعمان بن المنذر قد جعل لبني لام ربع الطريق طعمة لهم، لأن بنت سعد بن حارثة بن لأم كانت عنده ومر سعد بن حارثة بحاتم ومعه قومه من بني لام، فوضع حاتم سفرته وقال: اطعموا حياكم الله! فقالوا: من هؤلاء الذين معك يا حاتم؟ قال هؤلاء جيراني. قال له سعد: فأنت تجير علينا في بلادنا! قال له: أنا ابن عمكم وأحق من لم تخفروا ذمته. فقالوا: لست هناك! وأرادوا أن يفضحوه، ووثبوا إليه وتناول سعد حاتماً، فأهوى له حاتم بالسيف، وأطار أرنبة أنفه، ووقع الشر حتى تحاجزوا ثم قالت بنو لام لحاتم: بيننا وبينك سوق الحيرة فنماجدك، ثم وضعوا تسعة أفراس رهناً ووضع حاتم فرسه رهناً عند رجل من كلب وخرجوا حتى انتهوا إلى الحيرة. وسمع بذلك إياس بن قبيصة الطائي فخاف أن يعينهم النعمان بن المنذر ويقويهم بماله وسلطانه للصهر الذي بينهم وبينه فجمع رهطه من بني حية، وقال: يا بني حية إن هؤلاء القوم قد أرادوا أن يفضحوا ابن عمكم في مماجدته، فقال رجل منهم: عندي ناقة سوداء ومائة ناقة حمراء أدماء، وقام آخر فقال: عندي عشرة حصن على كل حصان منها فارس مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وقال حسان بن جبلة الخير: قد علمتم أن أبي قد مات وترك خيراً كثيراً، فعلى كل خمر ولحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة، ثم قام إياس فقال: على مثل جميع ما أعطيتم كلكم - وحاتم لا يعلم بشيء مما فعلوا.
وذهب حاتم إلى ابن عمه وهم بن عمرو، وكان مصارماً له لا يكلمه فقالت له امرأته: أي وهم، هذا والله أبو سفانة حاتم قد طلع. فقال: ما لنا ولحاتم! أثبتي النظر. فقالت: ها هو. قال: ويحك! هو لا يكلمني، فما جاء به إلي؟ ثم نزل حتى سلم عليه فرد سلامه وحياه ثم قال له: ما جاء بك يا حاتم؟ قال: خاطرت على حسبك وحسبي. قال في الرحب والسعة، هذا مالي وعدته تسعمائة بعير فخذها مائة مائة حتى تذهب الإبل أو تصيب ما تريد.
ثم إن إياس بن قبيصة قال لقومه: احملوني إلى الملك، وكان به نقرس، فحمل حتى أدخل عليه فقال: أنعم صباحاً أبيت اللعن! فقال النعمان: وحياك إليهك. فقال إياس: أنمد أختانك بالمال والخيل وجعلت بني ثعل في قعر الكنانة! أظن أختانك أن يصنعوا بحاتم كما صنعوا بعامر بن جوين لم يشعروا أن بني حية بالبلد؟ فإن شئت والله ناجزناك حتى يسفح الوادي دماً فليحضروا مجادهم غداً بمجمع العرب.
فعرف النعمان الغضب في وجهه وكلامه فقال له: يا أحلمنا لا تغضب فإني سأكفيك. وأرسل النعمان إلى سعد بن حارثة وإلى أصحابه فقال: انظروا ابن عمكم حاتماً فأرضوه، فوالله ما أنا بالذي أعطيكم مالي تبذرونه وما أطيق بني حية.
فخرج بنو لام إلى حاتم وقالوا له: أعرض عن هذا المجاد ندع أرش أنف ابن عمنا. قال: لا والله لا أفعل حتى تتركوا أفراسكم ويغلب مجادكم، فتركوا أرش أنف صاحبهم وأفراسهم وقالوا: قبحها الله وأبعدها! فعمد إليها حاتم فعقرها وأطعمها الناس.
- ٥ - ولما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طيء فريقاً من جنده، يقدمهم على عليه السلام، فزع عدي بن حاتم الطائي - وكان من أشد الناس عداء لرسول الله - إلى الشام فصبح على القوم، واستاق خيلهم ونعمهم ورجالهم ونساءهم إلى رسول الله.