حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وقد عده بعض العلماء من شعراء المعلقات ومطلع معلقته:
يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
وتقع في واحد وخمسين بيتاً. وهي من قصائده الاعتذاريات، بدأها ببكاء الاطلاق كالمألوف من أشعار الجاهلية، ثم انتقل من ذلك إلى وصف ناقته:
فقد عما ترى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانة أجد
وشبهها بوحش وجرة، ثم أفاض كعادته في وصف وحش وجرة، والكلاب الصائدة، ودخل من ذلك إلى النعمان:
فتلك تبلغني النعمان إن له ... فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعد
ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... وما أحاشي من الأقوام من أحد
ثم طلب إليه أن يكون حكيماً في أمره، لا يقبل سعاية الساعين، ونفى عن نفسه ما اتهم به
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطي إلى يدي
هذا لأبرأ من قول قذفت به ... كانت نوافذه حراً على الكبد
ثم مدحه بالكرم، وأنه يشبه نهر الفرات، واسترسل في وصف الفرات كعادته أيضاً.. وختمها بقوله:
ها إن تاعذرة إلا تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد
ويظهر من شعره التدين والتزام مكارم الأخلاق، فهو يقول:
قالت أراك أخاً رحل وراحلة ... تغشى متالف لن ينظرنك الهرما
حياك ربي فأنا لا يحل لنا ... لهو النساء وإن الدين قد عزما
مشمرين على خوص مزممة ... نرجو الإله ونرجو البر والطعما
وقوله:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي حومة المستأسد الحامي
وقوله:
نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإقداما
وصيرته ملكاً هماماً ... من علا وجاوز الأقواما
وقدم عمر بن الخطاب النابغة على جميع الشعراء في غير موضع، وفضله على جميع شعراء غطفان في موضع آخر، ويروى عن حسان قصة تدل على مكان النابغة عند النعمان وفضله لديه على جميع الشعراء، وحسان منهم. وحضر النابغة سوق عكاظ مرة فأنشده الأعشى ثم حسان ثم شعراء آخرون ثم الخنساء فقال لها: لولا أن أبا بصير أنشدني لقلت إنك أشعر الجن والإنس، فقال له حسان: أنا أشعر منك ومن أبيك. فقال له النابغة: يابن أخي إنك لا تحسن أن تقول:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك أواسع
ومن روائع شعره قصيدته:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ومن معانيه المبتدعة قوله:
نبئت أن أبا قانوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
وقوله:
فلو كفى اليمين بغتك خونا ... لا فردت اليمين عن الشمال
وأخذه عن المثقب العبدي فقال:
ولو أني تخالفني شمالي ... بنصر لم تصاحبها يميني
وقوله:
فحملتني ذنب امرئ تركته ... كذي العري يكوي غيره وهو رائع
وقد أخذت الكميت فقال:
ولا أكوى الصحاح براتعات ... بهن العر قبلي ما كوينا
وقوله وهو أحسن ما قيل في العفة:
رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
وما يتمثل به من شعره:
ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد
وقوله:
واستبق ودك للصديق ولا تكن ... فتبا يعض بغارب ملحاحا
أخذه ابن ميادة فقال:
ما إن ألح على الإخوان أسألهم ... كما يلح بعض الغارب القتب
ومما يمثل به من شعره قوله:
لونها عرضت الأشمط راهب ... عبد الإله ضرورة متعبد
لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشدا وإن لم يرشد
أخذه ربيعة بن مقروم فقال:
لو أنها عرضت لأشمط راهب ... في رأس مشرفة الذرى يتبتل
لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهم من ناموسه يتنزل
ومن أمثالها ثم أصدق من قطاة - قال النابغة
تدعو القطاويها تدعى إذا نسبت ... يا حسنها حين تدعوها فتنسب
أخذه ابو نواس فقال أصدق من قوة قطاة قطا. ومن حكمه:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب؟