الجواب: أن الأصل في الآيات التي يأتي فيها ذكر الوجه أن المراد من ذلك وجه الله تعالى كما في قوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[الأنعام:٥٢]، وكما في {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}[الليل:٢٠]. فالأصل أن المراد بالوجه المضافِ إلى الله هو وجه الله الذي هو صفة من صفاته.
ولكن اختلف المفسرون في آية البقرة؛ وهي قوله تعالى:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:١١٥] هل المراد بذلك وجه الله أو المراد الجهة؟ فقال جماعة من المفسرين: إن الوجه هنا الجهة؛ لقوله:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}[البقرة:١٤٨]، فالمراد بالوجه الجهة، فيكون المراد على قولهم: أينما تولوا فثم جهة الله، والذي رجَّحه جماعة من أهل التحقيق ومنهم شيخنا ابن عثيمين: أن المراد بالوجه هنا الوجه الحقيقي لله سبحانه، فيكون المعنى: إلى أي جهة تتوجهون فثم وجه الله, والله محيط بكل شيء، ومما يدل على ذلك ما جاء في البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى»(١).
وهنا إشكال: وهو أننا عرفنا مذهب الحلولية الذين يقولون: إن الله حالٌّ في كل مكان، فهل لقائل أن يقول: إن هذا القول موافق لمذهب الحلولية؟
والجواب: ليس كذلك، وسبق الكلام على مسألة العلو، وأن الله لا يقاس
(١) صحيح البخاري (١/ ٩٠) رقم (٤٠٦)، وصحيح مسلم (١/ ٣٨٨) رقم (٥٤٧).