واتصال الْإِسْنَاد والسلامة من الْعِلَل القادحة ولدى الباحث تبين أَن كتاب البُخَارِيّ أرجح فِي ذَلِك
أما من جِهَة الثِّقَة بالرواة فَيظْهر رجحانه من اوجه
أَحدهَا أَن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون مُسلم أَربع مئة وبضع وَثَلَاثُونَ رجلا والمتكلم فِيهِ بالضعف مِنْهُم ثَمَانُون رجلا وَالَّذين انْفَرد مُسلم بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون البُخَارِيّ سِتّ مئة وَعِشْرُونَ رجلا والمتكلم فِيهِ بالضعف مِنْهُم مئة وَسِتُّونَ رجلا وَلَا ريب أَن التَّخْرِيج لمن لم يتَكَلَّم فِيهِ أصلا أولى من التَّخْرِيج لمن تكلم فِيهِ وغن لم يكن ذَلِك الْكَلَام قادحا
وَثَانِيها ان الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ لم يكثر من تَخْرِيج أَحَادِيثهم وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم نُسْخَة كَبِيرَة أخرجهَا كلهَا أَو أَكْثَرهَا إِلَّا تَرْجَمَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس بِخِلَاف مُسلم فَإِنَّهُ اخْرُج أَكثر تِلْكَ النّسخ كَأبي الزبير عَن جَابر وَسُهيْل عَن أَبِيه والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت وَغير ذَلِك
وَثَالِثهَا أَن الَّذين انْفَرد بهم البُخَارِيّ مِمَّن تكلم فِيهِ اكثرهم من شُيُوخه الَّذين لَقِيَهُمْ وَجَالسهمْ وَعرف أَحْوَالهم واطلع عَلَيْهِم أَحَادِيثهم وميز جيدها من غَيره بِخِلَاف مُسلم فَإِن أَكثر من انْفَرد بتخريج حَدِيثه مِمَّن تكلم فِيهِ مِمَّن تقدم عصره من التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَلَا شكّ أَن الْمُحدث أعرف بِحَدِيث شُيُوخه مِمَّن تقدم مِنْهُم
وَرَابِعهَا أَن البُخَارِيّ يخرج حَدِيث الطَّبَقَة الأولى الَّتِي جعل جلّ اعْتِمَاده عَلَيْهَا وَقد يخرج من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَا يعتمده من غير اسْتِيعَاب لَكِن يخرج أَكْثَره على طَرِيق التَّعْلِيق وَرُبمَا خرج الْيَسِير من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة على طَرِيق التَّعْلِيق أَيْضا وَقد عرفت فِيمَا سبق أَن كتاب البُخَارِيّ مَوْضُوع بِالذَّاتِ للمسندات وَأما المعلقات فَإِنَّمَا تذكر فِيهِ استئناسا واستشهادا وَلِهَذَا لم يتَعَرَّض لَهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا انتقده