فَلَو جَازَ أَن يكون نَاسخ من الدّين مُشكلا بمنسوخ حَتَّى لَا يدْرِي النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ أصلا لَكَانَ الدّين غير مَحْفُوظ وَقد صَحَّ بِيَقِين لَا إِشْكَال فِيهِ نسخ الْمُوَافق لمعهود الأَصْل من النصين بورود النَّص النَّاقِل عَن تِلْكَ الْحَال
فَمن ذَلِك أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن لَا يشرب أحد قئما وَجَاء الحَدِيث بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شرب قَائِما فَقُلْنَا نَحن عَليّ يَقِين من أَنه كَانَ الأَصْل أَن يشرب كل أحد كَمَا شَاءَ من قيام أَو قعُود أَو اضطجاع ثمَّ جَاءَ النَّهْي عَن الشّرْب قَائِما بِلَا شكّ فَكَانَ مَانِعا مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ من الْإِبَاحَة السالفة ثمَّ لَا نَدْرِي أنسخ ذَلِك بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ إِبَاحَة الشّرْب قَائِما أم لَا فَلم يحل لأحد ترك مَا قد تَيَقّن أَنه أَمر بِهِ خوفًا أَن يكون مَنْسُوخا فَإِن صَحَّ النّسخ بِيَقِين صرنا إِلَيْهِ وَلم نبال زَائِدا كَانَ على مَعْهُود الأَصْل أم مُوَافقا لَهُ
كَمَا فعلنَا فِي الْوضُوء مِمَّا مست النَّار فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنه روى جَابر أَنه كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار لأوجبنا الْوضُوء من كل مَا مست النَّار وَلَكِن مَا صَحَّ انه مَنْسُوخ تَرَكْنَاهُ
وَأما من تنَاقض فَأخذ مرّة بِحَدِيث قد ترك مثله فِي مَكَان آخر وَأخذ بضده فذو بُنيان هار يخَاف أَن ينهار بِهِ فِي النَّار
قَالَ عَليّ وغن أمدنا الله بعمر وأيدنا بعون من عِنْده فسنجمع فِي النُّصُوص الَّتِي ظَاهرهَا التَّعَارُض كتبا كَافِيَة من غَيرهَا فَهَذِهِ الْوُجُوه هِيَ الَّتِي فِيهَا الغموض وَقد بيناها بِتَوْفِيق الله عز وَجل