للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِن قيل: معنى الحَدِيث أَن الإِمَام ضَامِن كَمَال صَلَاة (الْمَأْمُوم) بفضيلة الْجَمَاعَة، بِدَلِيل أَن الْمُقْتَدِي لَو سَهَا لم يلْزمه سُجُود السَّهْو، لِأَن الإِمَام ضَامِن لكَمَال صلَاته، فَلم يعْتَبر مِنْهُ سَبَب الْخلَل، فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ، وَلَو كَانَ ضَامِنا صِحَة صلَاته لَكَانَ ارتكابه الْمُفْسد عديم الْأَثر.

قيل لَهُ: لَو كَانَ معنى الحَدِيث كَمَا ذكرت لم يكن لتخصيص الإِمَام بِكَوْنِهِ ضَامِنا معنى، فَإِن الْمَأْمُوم لَا تحصل فَضِيلَة الْجَمَاعَة لَهُ إِلَّا بِوُجُود الإِمَام، وَلَا للْإِمَام إِلَّا بِوُجُود الْمَأْمُوم، فهما مشتركان فِي هَذَا الْمَعْنى، وَإِنَّمَا لم يجب على الْمَأْمُوم بسهوه سُجُود لِأَنَّهُ إِن سجد وَحده خَالف إِمَامه، وَإِن سجد الإِمَام مَعَه صَار الأَصْل تبعا والتبع أصلا، وَهَذَا لَا يجوز، وَإِنَّمَا لم يكن ارتكابه الْمُفْسد عديم الْأَثر لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُخَاطب بصيانة صلَاته عَن الْمُفْسد، فَإِذا بَاشرهُ فَسدتْ صلَاته، غير أَن صَلَاة الْمَأْمُوم لَهَا تعلق بِصَلَاة الإِمَام، وَلِهَذَا إِذا أَرَادَ الِاقْتِدَاء لزمَه نِيَّة الائتمام، فَإِذا بطلت صَلَاة الإِمَام بَطل مَا تعلق بهَا، وَصَلَاة الإِمَام لَيست بمتعلقة بِصَلَاة الْمَأْمُوم، وَلِهَذَا لَا يلْزمه نِيَّة الْإِمَامَة، فَإِذا بطلت صَلَاة الْمَأْمُوم لم تبطل صَلَاة الإِمَام، لعدم تعلقهَا بهَا.

فَإِن قيل: فقد روى أنس رَضِي الله عَنهُ: " أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَامَ وَكبر فكبرنا فَانْصَرف فَقَالَ كَمَا أَنْتُم، وَدخل الْحُجْرَة، وَلم نزل قيَاما كَذَلِك حَتَّى خرج وَرَأسه يقطر مَاء ". وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: " وَصلى بهم ثمَّ انْصَرف وَقَالَ: كنت جنبا ونسيت أَن أَغْتَسِل ".

قيل لَهُ هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك بن أنس فِي موطئِهِ مُنْقَطِعًا، فَإِن صَحَّ إِسْنَاده، فَمن الْجَائِز أَنهم استأنفوا التَّحْرِيمَة بعد أَن استأنفها النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يَنْفِي ذَلِك. فَمَا لم يثبت أَنهم بقوا على التَّحْرِيمَة الأولى لم يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَلَيْسَ فِي قَوْله: " كَمَا أَنْتُم "، وَلَا فِي قَوْله: " امكثوا " دَلِيل على ذَلِك، لاحْتِمَال أَنه أَرَادَ: لَا تتفرقوا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>